محمد حطحوط

بدون عنوان.. بالفعل احترت في عنونته!

السبت - 25 نوفمبر 2017

Sat - 25 Nov 2017

في جلسة مع زميل محب لوطنه، لكنه ابتلع جرعة زائدة من الإحباط الموجود في كل صيدليات تويتر وأوسمته، قال الصديق في لحظة ألم: (متى) تكون السعودية دولة متقدمة مثل أمريكا وغيرها؟ وهذا سؤال كبير لكنه يستحق النقاش من مختصين في هذا الباب. نقطة النقاش معه كانت مختلفة نوعا ما، لأن هذا الزميل ارتكب خطأ يقع فيه الكثير من شباب اليوم المباركين لوتيرة التغيير، فهم يقارنون المنتج النهائي (كورنيش جدة) بمنتج نهائي مثله (كورنيش ميامي) دون المرور بمرحلة (كيف)! من الخطأ كل الخطأ أن تضيع وقتك وجهدك في مقارنات سطحية بين (تصريف السيول) في شيكاغو وبين (تصريف السيول) في الزلفي! السؤال الصحيح: كيف استطاعت بلدية ميامي و(إمارة) مدينة شيكاغو أن تقوم بهذا؟ كيف قضت بلدية كوبنهاجن على الفساد في المشاريع؟ عندما تغير السؤال فقط من (متى) ليصبح (كيف) فقد وضعت قدمك على الطريق الصحيح.

مشكلتنا - خاصة الشباب- أننا نعشق حرق المراحل، واستعجال النتائج، والإشكالية أن هناك شيخا كبيرا اسمه (التاريخ) سيقول لك: على رسلك يا ولدي.. يجب أن يأخذ الوقت مجراه لتغيير ثقافة مجتمع.. يجب أن يأخذ الوقت مجراه لتغيير قوانين بلد بأكمله! يجب أن يأخذ الوقت مجراه لننتقل من (متى) لـ(كيف).

ذات الشيخ الكبير عندما تسأله عن (متى) أمريكا.. سيخبرك (بكيف) أنها هي الأخرى مرت بعقود طويلة من التطور التاريخي حتى وصلت لما وصلت إليه الآن. شرطة لوس أنجلوس كانت - يوما ما- تفوح عنصرية ضد الرجل الأسود.. فقط لأنه يحمل لون بشرة لا ناقة له فيها ولا جمل! في أقصى الشرق في نيويورك قصة لا تقل سوادا حيث عصابة حكومية غارقة فسادا إلى فترة قريبة جدا - الثمانينات والتسعينات- حتى أتى رجل واحد نزيه اسمه فرانك سيربكو في بيئة ممتلئة بوسطاء الفساد، ثم (أربكها) وقلبها رأسا على عقب!

هذا ليس على مستوى الحكومة فحسب - يضيف الشيخ الجليل- بل حتى مستوى الوعي للشعب الأمريكي نفسه، مثل أي شعب آخر، يتطور وينمو مع الزمن ويتعلم من أخطائه! صدق أو لا تصدق، راندي العظيم Amzing Randy، هو سيد النسخة الأمريكية لمسلسل #تجارة_الوهم! حيث انتشرت شائعات لأناس لديهم قوة خارقة ورجال دين يشفون المرضى بالإنجيل والبصق عليهم، وصدقهم الناس، ودفعوا لهم الملايين، ولم ينته فيلم الآكشن هنا، بل امتد وصدقته الحكومة، وغطاه الإعلام منبهرا بما رأى، ووصل المرض لأكاديميين - تخيل- في جامعات مرموقة، حيث صدقوا هذه الخرافات وأصدروا أبحاثا علمية لدعمها مثل الدكتور - ارجع لمقال (الدال في دكتور يعني دبشة) للاستزادة - الشهير مارك شيفر Dr. Mark Shafer، ثم اكتشفوا في نهاية المطاف أنها كانت كذبة كبرى، ومضى المجتمع وأضاف لبنة في جدار وعيه. تماما مثل ما حدث في قصة الطفلة سارة إبراهيم المصابة بالسرطان التي ملأت صفحات تويتر بالخليج يوما، واكتشفنا في نهاية المطاف أنه رجل من دولة عربية، حيث هرب ومعه مبالغ ضخمة من التحويلات المالية من متعاطفين!

حديث محمد بن سلمان في لقاء صحيفة نيويورك تايمز كان واضحا: مكثنا سنوات طويلة في محاربة الفساد وفشلت كلها، والسبب - والكلام لسموه - أنها كانت تحارب الفساد من الأسفل للأعلى، الذي حدث في (ربيع) نوفمبر، أن الحكومة قلبت المعادلة وحاربت الفساد من أعلى الهرم! وهذه استراتيجية سمعتها من الزميل صالح الشيحي قبل عشر سنوات عندما قال: اقطعوا يد أحد أصحاب المشالح.. يتوقف البقية تماما! وهذا ما حدث بالفعل! هل هناك أفكار عند (الشيحي) ورفاقه قد تختصر علينا عشر سنوات من الآن؟

الشعوب تماما مثل الإنسان، تنمو وتتعلم من تجارب الحياة المختلفة، ويبقى الرهان أن هناك شعوبا استخدمت استراتيجية التعلم والخطأ حتى تصل للمستقبل، وهناك شعوب تعلمت من أخطاء غيرها فاختصرت الزمان والمكان للوصول لذات الهدف، ولكن في كلا الحالتين يجب أن يأخذ التاريخ مجراه، وأن لا نحرق المراحل. السعودية مقبلة إن شاء الله على خير، دع عنك الإرجاف والمرجفين واسأل نفسك: ما هي اللبنة الصغيرة التي سأضعها في بناء حائط الوعي لهذا الوطن؟

تسأله عن (متى) يخبرك بـ(كيف)

1 يجب أن يأخذ الوقت مجراه لتغيير قوانين وثقافة أي مجتمع

2 هناك شعوب تستخدم استراتيجية التعلم والخطأ حتى تصل للمستقبل

3 مشكلتنا - خاصة الشباب- أننا نعشق حرق المراحل واستعجال النتائج

4 اسأل نفسك عن اللبنة الصغيرة التي ستضعها في بناء حائط الوعي لوطنك