محمد إبراهيم فايع

عليك تسنب وعلينا نستضيفك

الجمعة - 24 نوفمبر 2017

Fri - 24 Nov 2017

لنتحدث بصراحة ونقل إن فضائيات تحسب علينا، في بعض برامجها روجت «مقاطع السخف» لمن أسمتهم بـ «المشاهير» من مختلف وسائل التواصل الاجتماعي وعلى رأسها «السناب شات» وهي مقاطع في كثير منها لا تصنع فكرا ولا ثقافة ولا تحمل مضمونا هادفا، ومع هذا احتفت بأصحابها على أنهم نجوم وقدمتهم «قدوات» لأجيال اليوم الذين سرعان ما يقلدون ما يرونه من سلوكيات لمشاهير «السنابات»، ولذلك فلا نستغرب حينما تكون النتيجة عند أجيال ناشئة تتراوح أعمارهم بين العاشرة والسابعة عشرة أفكارا ساذجة، وسلوكيات تخلو من الذوق والحياء الذي هو شعبة من الإيمان، وتغلب عليها السخافات، والمشكلة أننا حينما نصدم بسلوك جيل عندئذ نتساءل عن «الأسرة والمدرسة والمسجد؟» ودورها التربوي، وكأننا نجهل الأسباب والعوامل التي أدت إلى انهيار أخلاقي سلوكي فكري عند أطفالنا، ستذهب جميع محاولات الآباء والمعلمين والمدرسة ومعها المسجد هباء منثورا أمام ما تصنعه وسائل التواصل الاجتماعي على يد من أسمتهم الفضائيات بالمشاهير، ليس هذا فحسب، فلا يمكن أن ننسى تأثير بعض برامج الفضائيات التي قد تهدم ما تحاول المدرسة والأسرة أن تبنيه من قيم دينية وأخلاقية واجتماعية في نفوس أطفالها، وقد قيل وفق دراسات تربوية «إن ما تبنيه المدرسة في عام، قد يهدمه عرض تلفزيوني لمدة دقيقة»، وكلنا نعلم أن البناء صعب، لكن الهدم سهل وسهل جدا، علاوة على أن وسائل التواصل الاجتماعي وانجذاب أطفالنا إلى الأجهزة اللوحية المتنوعة قد «سرقتهم» من كل شيء وأبرز ما سلبته منهم، وأثرت به على حياتهم، أن أفقدتهم «مهارة التواصل» مع الآخرين، ولينظر أحدنا إلى كيف تحولت حياة منازلنا إلى حالة من الصمت المطبق، ومجالسنا التي نأتي إليها كيف أن كل شخص قد سافر وحيدا مع جهازه وكأنه لوحده في المكان، فتلك الأجهزة سرقت أعمار أطفالنا، وأهدرت أوقاتهم، ولوثت عقولهم بمواد ساذجة في مضمونها تحملها «مقاطع السنابات» روجت لها برامج فضائيات، عمدت جلبها من وسائل التواصل الاجتماعي بحجة وصولها «الترند» في المشاهدة، فشجعت أصحابها الذين فهموا أن الرسالة «عليك تسنب وعلينا نستضيفك» فتعرضها وتستضيف أصحابها ليتحدثوا عما يقومون به من تصرفات ساذجة ومضحكة وخالية من أي أهداف ومضامين تستحق المشاهدة، وهم يستعرضون حياتهم في بيوتهم وفي الأماكن العامة، ويلقون النكت السخيفة والتعليقات الساخرة، وهم يأكلون ويشربون وينامون! والحقيقة أخشى ما أخشاه هو ضياع أخلاقيات جيل ناشئ سرعان ما تتحول تلك المقاطع إلى دروس مجانية لهم في «السخافات» حتى تصبح عاداتهم طباعا وسلوكا، وإذا فقد الحياء وأصبحت الأفكار الساذجة هي المشكلة لسلوكياتهم، عندها سنخسر كثيرا حياة جيل نعده للمستقبل، ومقارنة ما يتلقونه اليوم عبر وسائل التواصل الاجتماعي مع ما تلقاه جيل مضى مقارنة خاسرة لهم، إذ كانت البرامج الإذاعية الراقية والتلفزيونية تقدم لجيل مضى المعرفة والثقافة والترفيه في صورة رفيعة، أسهمت في رقي فكرهم، وثقافتهم، ولهذا نجد «جيل الطيبين» كما يحلو للبعض تسميتهم يتسمون بالرقي في فكرهم، في هندمتهم، في سلوكهم، في تعاملهم مع الآخرين.