هل سنطرق باب الثورة الصناعية الرابعة؟!

الجمعة - 24 نوفمبر 2017

Fri - 24 Nov 2017

قبل أكثر من 200 عام مر العالم بتحولات جذرية على صعيد الإنتاج الصناعي خلفت أثرا في حياة المجتمعات فلم يكن عام 1784 إلا عاما استثنائيا بكل المقاييس، فقد شهد هذا العام اختراع الآلة البخارية التي كانت شرارة البدء في عهد الثورة الصناعية الأولى، حين بدأت لأول مرة مكينة الإنتاج ومكينة الانتقال للطاقة البخارية، وبعد نحو 100 عام على هذا الاختراع وتحديدا في عام 1870م اتجهت بوصلة الإنتاج صوب استخدام الطاقة الكهربائية في النقل والمواصلات، وأغلب مناحي الحياة ليدخل العالم بها عهد الثورة الصناعية الثانية التي استمرت حتى هبوط أول إنسان على سطح القمر بواسطة أبولو 11 في عام 1969م، عندما تم اختراع الحاسوب وإرسال أول رسالة عبر الإنترنت، واستخدامه في عمليات التصنيع والإنتاج لندخل بذلك عهدا جديدا هو عهد الثورة الصناعية الثالثة التي استمرت هي الأخرى حتى مطلع الألفية تقريبا حين استطاع العلماء والمهندسون تطوير تقنيات متقدمة مثل الروبوتات، تقنية النانو، التحكم في الجينات، التقنية الحيوية، الطباعة ثلاثية الأبعاد، لتدخل العالم في عهد الثورة الصناعية الرابعة الذي لم يعد محل اختيار فالأمم الناجحة تتطور، وتلك التي لا تتطور تموت، وأنجح الأمم هي من تأخذ بأسباب التطور والتقدم وتحافظ على قيمها الحضارية التاريخية وإرثها الأصيل، فلن تتعارض القيم الحضارية الأصيلة مع أسباب التقدم الحضارية الحديثة.

لقد مرت علينا هذه الثورات الثلاث دون أن ندخل فيها من ناحية الإنتاج والتصنيع، بل كان نصيبنا منها هو الاستهلاك والاستهلاك فقط، فهل سنطرق باب هذه الثورة الصناعية الجديدة؟ الإجابة الكاملة لهذا السؤال بالتأكيد ليست عندي لكن سأحول الوصول إلى إجابة لعلها تكون مقنعة للقارئ الكريم.

علينا أن نعرف أولا أن المستقبل الذي ستفرضه هذه الثورة يتمحور حول تمتع العنصر البشري بالموهبة وتمكنه من المهارة، فالموهبة والمهارة ستأخذان حيزا كبيرا من الاهتمام على حساب الشهادة الأكاديمية، وستصبح السمة الأبرز في عامل الموارد البشرية ضمن عملية الإنتاج، وهذا بدوره سيؤدي إلى نشوء سوق عمل يزداد فيه التباين بين الأجور المنخفضة المخصصة للمهارات المنخفضة والأجور المرتفعة المسندة للمهارات العالية، وسوف تؤدي مثلا أتمتة الصناعة إلى تقليص فرص العمل إلى حوالي النصف حسب تقديرات الخبراء، وأيضا قد يؤدي ذلك إلى اضمحلال دور الشركات المتوسطة والصغيرة في العملية الإنتاجية، وهيمنة الشركات الكبرى، وهذا يعني أن الإنسان الآلي سيحل محل الإنسان البشري في الكثير من الأعمال، بحيث يقتصر الدور البشري في الصناعة على المراقبة والتدقيق، فوجود مرحلة للإعداد لهذه الثورة والتعاطي معها أمر مهم للغاية وهذا يتطلب وضع استراتيجية كاملة لهيكلة اقتصادية شاملة، وقد تم ذلك بإطلاق رؤية المملكة 2030 وكذلك تبني استراتيجية اجتماعية وتعليمية متطورة بما يتواءم مع المفهوم الجديد الذي تفرضه هذه الثورة للتنمية البشرية، والقدرة على التكيف مع التغير في بعض القيم الثقافية والاجتماعية التي ستتأثر تباعا لهذه الثورة، وتوجيه طاقات الشباب نحو التعليم الفني والتقني، والتوسع فيه على حساب التعليم الجامعي، مع تطبيق معايير الجودة المعتمدة عالميا في هذا النوع من التعليم لتوفير الأيدي العاملة الوطنية بدلا من استقطابها من الخارج، وبعد أن ننتهي من مرحلة الإعداد التي يجب أن لا تقل عن خمسة أعوام على أقل تقدير، عندئذ يمكن القول بأننا قد نطرق باب الثورة الصناعية الرابعة، وكما تقول الحكمة الشهيرة في علم الإدارة «الفشل في التخطيط هو تخطيط للفشل» فوجود خطة منطقية قابلة للتطبيق أمر أساسي في عملية الوصول للأهداف وربما الأحلام إن شئت.