عبدالغني القش

أمطارنا.. من سعادتنا لمضرتنا!

الجمعة - 24 نوفمبر 2017

Fri - 24 Nov 2017

ما إن نرزق بزخات من المطر حتى تتحول شوارعنا إلى مستنقعات مائية، ويتم إغلاق الأنفاق، وتحويل الطرقات، وتتطاير بعض اللوحات الإرشادية وتتهاوى اللافتات الإعلانية، في مشاهد مؤسفة وأحداث مؤلمة!

وكم هي مؤسفة تلك العناوين التي تنشرها الصحف المحلية أثناء وبعد هطول الأمطار، وهاكم أمثلة منها:

«جدة للأمانة: في فمي ماء»، «سيول جدة: النيابة العامة تتحرك».

واشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بالصور والمقاطع المحزنة التي تحز في النفس وتؤرق الخاطر؛ فسيارات غرقت ومنازل دخلها الماء، ومحلات تجارية دهمتها المياه وغير ذلك. وهنا لا بد من الإشادة بما صدر من اعتذار حول مقطع يظهر رجال الدفاع المدني وقد وقفوا مكتوفي الأيدي تجاه مواطن يطلب النجدة ليقوم شخص من شرق آسيا بالنزول إليه وإخراجه. ومع يقيني بأن ذلك لا يمثل إطلاقا هؤلاء الفضلاء، لكنه في ذات الوقت مدعاة للمراجعة والتدقيق في الاختيار والاختبار ليتمتع رجل الدفاع المدني بالمهنية العالية.

وقد سبق للصحف نشر عنوان كارثي، والذي أجزم بأنه سيدهش القراء ويدخلهم في دائرة التعجب حيث كان نصه:

البلديات: 94 مليار ريال لإنهاء أزمة تصريف الأمطار والسيول، ودراسة صنفت 29 مدينة على درجة عالية من الخطورة، مما يؤكد أن هناك خللا كبيرا وفسادا هائلا جعل من البنية التحتية لمدننا ومحافظاتنا أضحوكة، ينظر إليها القارئ شذرا، وربما اطلع عليها قراء من خارج الحدود فتبين لهم أن الوضع مأساوي ولا يمكن تبريره بحال؛ فإنفاق المليارات لا يمكن أن ينتج عنه هذا السوء الذي نعاني منه، والصور تؤكد أن المليارات لو تم صرفها في موضعها الصحيح لاختلف الوضع كليا.

وحتى تتم عملية اكتمال المشهد فلا غرابة إذن أن يعلم العالم أن لدينا مركز إدارة الأزمات والكوارث، لمجرد هطول أمطار لسويعات فقط!

وسبق أن تداول مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع لبعض المسؤولين وهم يعدون المواطنين والمواطنات بعدم تكرار تلك المأساة، واليوم يعاينون بأنفسهم الأضرار ليتساءل الناس: أين ذهبت تلك الوعود؟ وهل من محاسب ومعاقب لأولئك الذين يطلقون الوعود لمجرد التهدئة دون إنجاز؟

وتساؤل عن الدور الذي يفترض أن تضطلع به الجهات الرقابية حول تلك المبالغ الفلكية التي أعلنت، ويجزم الجميع بأنها لم تنفق في مسارها، فبلد مجاور ليس لديه عشر إمكانياتنا وتهطل لديه الأمطار بشكل متواصل، بل ربما يمكث مواطنوه أسبوعا لا يرون الشمس ومع ذلك يسير الراجل والراكب في شوارعهم بلا مستنقعات ولا برك مائية! بينما تهطل الأمطار لدينا بشكل متقطع ولساعات محدودة فنرى العجب العجاب:

أنفاق تمتلئ بالمياه، وشوارع تغرق، ولافتات تسقط، وسيارات تتضرر، وسيول تدخل الأحياء فتحيلها إلى مادة إعلامية محزنة تصلح لأن تكون فصلا في مسلسل تراجيدي.

لقد مل الجميع من العزف على وتر مشاريع تصريف مياه السيول والأمطار، حتى بات البعض يعتقد أنها مجرد فقاعات إعلامية لا حقيقة لوجودها، وما وقع الأسبوع المنصرم يؤكد ذلك.

كم يحز في النفس ما يتكرر من مشاهد يندى لها الجبين، فالدراسة تعلق خوفا من الأمطار، ومدن تعيش تحت وطأة الخوف الشديد، ينتج عنها شوارع شبه خالية، وأعمد إنارة تميل بشكل عجيب!

والمؤلم أنه لا تتم معالجة فعلية لتلك المواقع، وكأننا ندور في دائرة مفرغة، كلما انتهى آخرها بدأ أولها، في غياب للدور الرقابي!

وبالجملة فإن السعادة بالأمطار تحولت إلى تخوف من الأضرار، وبات المجتمع يحمل هاجسها ويسأل الله النجاة من أهوال تسبب فيها مسؤولون لا يحملون أمانة المسؤولية.

وكم أعجبت بعبارة «الاحتجاج بسوء الأحوال الجوية ليس بصحيح، بل الواقع يقول بسبب سوء البنية التحتية».

[email protected]