آلاء لبني

تأريخ غرق المدن بالأمطار والتصريحات

الخميس - 23 نوفمبر 2017

Thu - 23 Nov 2017

ما إن يهل موسم الأمطار سنويا على البلد الصحراوي الفقير مائيا، وتنهمر قطرات المطر فتغسل الشوارع وأسطح المنازل، وتمر السيول على الأودية لتسقي ظمأها إلا وتكشف معها ممرات مائية منسية في أحياء وحارات ومشاريع تصريف وهمية أو متأخرة أو معلقة. تختلف الأسباب والعلل، وكل مطر ونحن غارقون. لا جديد حتى تصبح السيول (كاشفة الحقائق) حديثا اجتماعيا ومادة إعلامية تثري محتوى أنواع الإعلام المقروء والمسموع والمشاهد، وتظهر مقاطع الويلات والغرق والمرح والتزلج! وفساد وغش المقاولين وتسريب المياه في المباني حتى بعض المنشآت الحكومية الحديثة! فساد وغش وإهمال في كل مكان.

كما وثقت وتناقلت وسائل التواصل مقطع إقدام فلبيني على مساعدة رجل محتجز بسيارته، لعل ذاك الفيديو أبلغ من المحاضرات، ويكتم ألسنة العنصريين ومهاجمي (الأجانب)، الذين يتناسون أن المواطن والمقيم شركاء في التنمية والنماء والأمن في هذا الوطن.

تتكرر الشكوى من البلدية ودورها في تخطيط المدن، ومن الغرق والخسائر وفساد ضمائر بعض المسؤولين، أضف عليه جهلهم. إن في قصص غرق المدن المتكررة مادة ثرية للمؤرخين السعوديين، تجد الأجيال القادمة تسلية وعظة وعبرة منها، حتى لا يغيب النسيان ذاكرتنا!

مثلا في عام 2017 في 21- نوفمبر هطلت الأمطار على مدينة جدة الغارقة بمقياس لا يتجاوز 35 ملم واستمرت لساعات محدودة، وخلفت غرقا وإغلاق طرق وأنفاق والعديد من الأضرار، وكشفت المستور من الوعود الزائفة بالجاهزية والاستعداد.

ومما يجب أن يؤرخ له باليوم والساعة والسنة تصريحات المسؤولين، مثلا تصريحات ثمانية أمناء على مدينة جدة تعتبر مصدر مرجعية جيدة للتمحيص وللمراجعة التاريخية. يجب أن يتعلم المسؤولون حساب المليارات والكلمات والالتزام بها.

ذاكرة يوتيوب جميلة قوية تحتفظ بالعديد من مقاطع التصريحات. تصريح في العام الماضي لوزير الشؤون البلدية والقروية آل الشيخ (الذي اعتبر أن الأمطار التي شهدتها المملكة أمطار تتكرر كل ثلاثين - أربعين سنة غير اعتيادية وبكميات هائلة، كما أوضح أن شبكات تصريف الأمطار في المدن حتى المتقدمة تغطي الأمطار التي تتكرر كل 10 سنوات إلى حد أقصى 20 سنة! وأكثر من ذلك تكلف تكاليف باهظة وخرافية).

لعل في مشاهدة الفيلم الوثائقي لنفق سمارت لماليزيا الذي لا يضاهيه أي نفق بالعالم وتكاليفه الجبارة لتصريف المياه، ما يمثل مدى قدرة إرادة الإنسان في التكيف وتطويع البيئة.

تصريح آل الشيخ، وهو رأس هرم التخطيط المدني، يستوجب الدراسة. نفي معاليه إمكانية تحمل المدن المتقدمة لكميات الأمطار الكبيرة أمر لا يعد إلا خلطا للمفاهيم ما بين الفيضانات والأعاصير والتصريف.

وربما التصريح الأكثر قبولا وشفافية القول «إن كثيرا من المخططات خلال مراحل التنمية السابقة توسعت توسعا غير مدروس، ولم تراع فيها الدراسات الهيدرولوجية، وسنحاول البحث عن طرق تخفف من الأزمات».

أما معالي أمين جدة فنحن بانتظار شرحه وتوضيحه بعد انتهاء الحالة المطرية!

الشفافية والمكاشفة هما ما ينتظرهما المتضررون لبيان أسباب التأخر في تنفيذ المشاريع، وتحديد أنظمة التصريف المناسبة، وتصميم مسارات القنوات، ومراعاة مناسيب الطرق! أين تجميع البيانات الهيدرولوجية والجيومورفولوجية والمناخية وخصائص ممرات السيول وارتفاع مستوى سطح الماء، وسرعة جريان المياه للاستفادة منها في تحديد فرص حدوث الفيضانات؟ أين تم تحديد مواقع الإيواء لمواجهة حدوث الأزمات؟ وإيضاح موضوع تأخر الاعتمادات المالية الذي أشار إليه وكيل المشاريع، كما يبين دور الجهات المختلفة في مشاريع التصريف.

هل يعقل أننا كلما سمعنا بمطر نظرنا إلى سمائنا وتخوفنا من الغرق، لأننا نعاني من البنية التحتية؟ إلى متى نتجاهل أبجديات التخطيط. لكل صاحب منصب تذكر أنك موقوف أمام الله أولا، قال تعالى «يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد».

Alalabani_1@