الولادة تعني الاستمرارية

الخميس - 23 نوفمبر 2017

Thu - 23 Nov 2017

تقف القراءة القديمة للنص الديني حجر عثرة في طريق القراءة الجديدة، سواء في ابتداعها أو في دراسة وتطبيق المبتدع منها. فمن ناحية يظن المتمسكون بالقراءة القديمة أنها الأقدر على فهم الدين، لأنها كانت الأقرب زمانيا من العصر الأول للإسلام «العصر النبوي»، ويتحججون في ذلك بقولهم إن الأولين كانوا أكثر دراية باللغة وبالمرويات والأحكام الفقهية وغيرها. ولكن يتناسى هؤلاء المتمسكون بالقديم أن فهم النص الديني وتأويله عمل بشري قابل للصواب كقابليته للخطأ، فضلا عن أنهم يتجاهلون أو يجهلون الظروف السياسية والاجتماعية التي أنتجته.

بينما يرى الذين ينادون بقراءة جديدة للنص الديني أن الاعتماد على القراءة القديمة هو السبب في تخلف الأمة فكريا ومعرفيا، وفي واقعها المؤلم والمتجه نحو مزيد من التفكك والتراجع، ولا أدل على ذلك من الانحلال الأخلاقي وصولا إلى الحروب الطائفية بين المسلمين أنفسهم. ويرى المنادون بالقراءة الجديدة أنها الضامن لتعزيز فكرة أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان، ولذلك فهي واجبة على كل جيل وفي كل عصر بما يتناسب مع ما وصلت إليه الحضارة الإنسانية في كل ميادين العلم والمعرفة، وكما هو معلوم فإن إنجازات العلم اليوم تتسارع بشكل يفوق تسارع الأحداث في الدول العربية.

إن تطور المعرفة وأدواتها وتشعب فروعها في هذا العصر لازمهما تطور في العقل الإنساني وطرق تفكيره، وقد لوحظ أن الدماغ البشري يتطور باستمرار وذلك نتيجة للتعلم والتواصل فيما بين الناس. وقد أثبت فلين Flynn عالم الاجتماع النيوزيلندي في الثمانينات أن معدل IQ يزيد كل 10 سنوات بنسبة 3 نقاط، وذلك منذ الثلاثينات في العديد من البلدان، وتتعلق هذه الزيادة في الـ IQ، بشكل خاص، بالقدرة على حل المشاكل، ومن ناحية ثانية أضحى الحصول على المعلومات والمقارنة فيما بينها أسهل وأعظم مما كان في السابق، كما أن السكوت عما اختلف فيه الفقهاء ودس مصادر العلم لم يعد ممكنا اليوم في ظل هذا الانفجار التقني والتواصلي العظيم.

إن القراءة الجديدة للنص الديني ليست انقلابا على التراث بقدر ما هي خضوع للواقع ومتطلباته. هذا الواقع المعاش الذي يناسبنا كأفراد وجماعات من حيث أننا فرضنا عليه ما توصلنا إليه على الصعيد العلمي والفكري والتقني، فبات يفرض علينا أن نعيشه بنفس الطريقة التي نفكر ونتواصل ونبني ونتقدم بها.

القلق بشأن ما كان وما سيكون هو نتاج الخوف من التغيير، سواء كان ذلك بسبب خوف البعض على مصالحه الشخصية المادية أو مركزه الاجتماعي أو سلطته السياسية، وإما بسبب عدم فهم الدين، وبالأصح عدم محاولة فهم الأسباب التي أدت إلى ما هو عليه الدين اليوم من تعددية مذهبية بشرية، تجمع بينها الطائفية والقتل في ساحات الحرب، والكراهية والحقد في ساحات العاطفة واللا وعي.

لذا فإنه من الواجب على المهتمين بقضايا الأمة، الساعين لإخراجها مما تعانيه اليوم، أقول يجب عليهم مناقشة تلك الأسباب التي أدت إلى فرقتها واقتتالها بوضوح تام وجرأة نقدية تلتزم بالحقيقة فقط دون تقديس الأشخاص أو انتقاصهم، كما يجب عليهم الاجتهاد في البحث عن الحلول، وتجاوز المختلف فيه، والقضاء على كل ما من شأنه أن يتسبب في إثارة المذهبية والطائفية في المستقبل، حتى يتفرغ شباب هذه الأمة المنكوبة إلى الإنتاج المعرفي والإبداع والمساهمة بفعالية في صنع الحضارة الإنسانية.

خلاصة القول إن ما يجب علينا أن نستوعبه هو أنه لولا القراءة القديمة لما وجدت القراءة الجديدة. وأن كل ولادة جديدة لا تعني نهاية القديم بقدر ما تعني استمراره في قالب جديد قابل للعيش وبعيد عن التقليدية العاجزة عن فهم الحاضر والعقيمة - في ذات الوقت - في إنتاجها المعرفي.

من هنا فإن على كل جيل أن يبدع قراءة جديدة تتناغم مع واقعه في سيمفونية الحياة الرائعة، ليضمن وجوده أولا، وليضمن استمرارية إنتاجه دائما لأن سكوتنا عن تمزيق الأمة لنفسها وتفككها مذهبيا وجغرافيا هو خيانة ليس لحاضرها فقط، بل ولمستقبل أجيالها القادمة.

KhaledMohajer@