خواطر في التعليم لنرتقي

الخميس - 23 نوفمبر 2017

Thu - 23 Nov 2017

حقيقة لم أكن أنوي الكتابة عن التعليم وهمومه لدينا، فقد أشبع من الحديث بما فيه الكفاية، خصوصا في الفترة الأخيرة من بعد تصريحات الوزير التي تناولتها الأغلبية بالرفض والمعارضة، ولكن الحالة العامة للتضجر من ناحية أبنائنا وبناتنا من جهة، والمعلمين والمعلمات من جهة أخرى تجعلنا جميعا نطالب ببيئة تعليمية راقية وجاذبة تجعل الطلاب والطالبات يقبلون على العلم والتعلم بحب ورغبة، ولن يكون ذلك إلا عندما تتوفر مدارس ومنشآت تعليمية مجهزة بتجهيزات متكاملة للفصول الدراسية وللأنشطة الترفيهية المصاحبة للتعليم، والتي تكسر الملل الذي قد يتسرب لنفوس أبنائنا وبناتنا خلال ساعات اليوم الدراسي. وأتذكر هنا خبرا طريفا أوردته إحدى الصحف عن طلاب مدرسة في إحدى المقاطعات الصينية بأنهم كانوا يتسللون إلى المدرسة ليلا ليحجزوا مقاعدهم الدراسية قبل بدء اليوم الدراسي!

ساعة النشاط الإضافية التي أقرتها الوزارة مؤخرا ستشكل عبئا كبيرا على الطلاب والطالبات والمعلمين والمعلمات، فساعات اليوم الدراسي الطويلة بلا شك تؤثر سلبا على إيصال المعلومة وعلى الفهم والاستيعاب للدارسين بسبب تدفق المعلومات، لأن العقل بطبيعته ينشط خلال مدة معينة في تركيزه ويقل هذا النشاط تدريجيا بمرور الوقت، وكذلك فإن زيادة ساعة في اليوم الدراسي ستشكل ازدحاما مروريا في الشوارع بسبب خروج الموظفين المتزامن مع خروج المدارس، وستسبب ربكة لبعض أولياء الأمور ممن ينقلون أبناءهم وبناتهم بأنفسهم، وإضافة إلى ذلك سيتم استهلاك المزيد من الطاقة الكهربائية في المنشآت التعليمية، وذلك بلا شك مكلف على الدولة. ولو نظرنا إلى الدول المتقدمة مثل فنلندا، والتي تعتبر الأفضل في التعليم على مستوى العالم، لوجدنا أن هناك عدة أسباب جعلتها متفوقة في ذلك على غيرها، من أهمها عدد ساعات اليوم الدراسي والتي لا تتعدى 4 ساعات في اليوم، تقابلها راحة أكثر لممارسة الأنشطة الترفيهية - اللاصفية - التي تعزز العملية التعليمية لتكون أكثر جذبا للإقبال على العلم والتعلم بحب وشغف أكبر، وكذلك فإن التعليم لديهم مبني على الارتباط الوثيق بين المعلم والطالب، حيث إن المعلم يمكث فترة طويلة – تصل لخمس سنوات - في تدريس طلابه الذين لا يتجاوز عددهم 20 طالبا في كل فصل، لتتوطد علاقته بهم أكثر، وفي هذه الدولة الإسكندنافية الصغيرة من الصعب أن يصبح أحدهم معلما، لأن اختيار المعلمين هناك يتم بعناية شديدة لذوي الكفاءات العالية، ويشترط أن يكونوا حاصلين على درجة الماجستير.

نتفق جميعا على أن المعلمين والمعلمات هم العمود الفقري في العملية التعليمية ودورهم كبير جدا في نجاحها، وكلما توفرت لهم السبل التي تساعدهم في ذلك سيرتقي تعليمنا للأفضل بلا شك، وليس من العقل والمنطق أن نتجاهل مطالبهم وحقوقهم. التصاريح الوزارية المتضاربة للأسف تعترف تارة بوجود فائض في صفوف المعلمين، وتارة أخرى تعترف بوجود عجز في توفيرهم! نعم هناك عجز وآثاره واضحة للعيان، فحسب التقارير المنشورة هناك 19 ألف معلم ومعلمة سيتم تقاعدهم هذا العام، بالإضافة إلى دمج بعض المدارس وانتداب المعلمين للتدريس في مدرستين في وقت واحد، ويضطر بعضهم في كثير من الأحيان لتدريس مواد ليست في تخصصه، ولا ننسى أن بعضهم يثقل كاهله ببرامج واستراتيجيات علاوة على زيادة نصابه من الحصص الدراسية. من الهموم التي يعاني منها المعلمون كما سمعنا - وكما يصلنا والعهدة على الراوي - هو كثرة التعاميم المتضاربة في أوقات متقاربة، والتي من شأنها أن تربكهم، وكذلك فهناك تصاريح متناقضة تلزم المعلمين بأعمال إدارية ثم تنقض بأخرى بأنهم ليسوا ملزمين بها، وبعضهم يتم تقييمه في برامج واستراتيجيات – مثل برنامج فطن والتعليم النشط – وهم في واقع الأمر لم يأخذوها!

ولأن وزارة التربية والتعليم والمجتمع من معلمين ومعلمات وطلاب وطالبات وأولياء أمور شركاء في تطوير التعليم ونجاحه في بلادنا، فكلنا ثقة بأن تؤخذ كل الملاحظات والآراء بعين الاعتبار وبصدر رحب. وختاما نتمنى من المسؤولين في الوزارة إعادة النظر في موضوع برامج الانتساب والتعليم عن بعد لتستمر، وأن يتم توفير العدد الكافي من أعضاء هيئة التدريس في الجامعات لتغطية النقص الذي يمكن أن يسببه الانشغال عن البرامج الأساسية فيها بحسب التصريح الصحفي للوزير.