عبدالله المزهر

ضحية الحب والاستبداد!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الأربعاء - 22 نوفمبر 2017

Wed - 22 Nov 2017

أعترف لكم بأني حزين ـ ليس كثيرا ـ بعد أن ترك الصديق روبرت موغابي سدة الحكم في زيمبابوي. كنت أتمنى أن يستمر لثلاثين سنة أخرى، فأنا لست زيمبابويا كما تعلمون، ولا يعنيني رأي الشعب هناك ولا مدى رضاه، كل ما في الأمر أنه واحد من عدة شخصيات كنت أشعر أني أعرفهم في حياة أخرى، مثل أبوبكر شيكاو زعيم منظمة بوكو حرام، والرئيس الكوري الشمالي كيم جونج أون، والرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح. ووجود هؤلاء كان يضفي شيئا من المتعة والمرح في أجواء السياسة الكئيبة.

وأذكر أني قلت سابقا في مكان ما لا أذكره ـ ربما كان هذه الصحيفة ـ إنني أخشى على نفسي من التورط في الإعجاب بنوعية معينة من الشخصيات السياسية، وللتخلص من ورطة الإعجاب هذه فقد اخترت أن يكونوا أصدقائي فقط، وتخليت عن فكرة أن أكون أحد معجبيهم، هم أصدقاء معاتيه كحال بقية أصدقائي. هذه العينة من الزعماء لو كانوا أعضاء في شلة استراحتنا لكانت الاستراحة أكثر مرحا بوجودهم ولكان العالم أكثر أمنا دونهم.

كانوا يثيرون إعجابي لأنهم ساسة لا علاقة لهم بالسياسة، صريحون ووقحون أكثر مما ينبغي للسياسي، فالصراحة والسياسة في قلب عبد مؤمن لا يجتمعان.

حين تلا رئيس البرلمان الزيمبابوي بيان استقالة موغابي بعد سبعة وثلاثين عاما قضاها في الحكم خرج الناس إلى الشارع يحتفلون بهذا النبأ العظيم، وربما سأل السيد موغابي نفسه: أليس هؤلاء أنفسهم بشحمهم ولحمهم وسمرة بشرتهم الذين كانوا يخرجون إلى الشارع قبل شهر ويتحدثون عني بقدسية وإجلال لأني «رب زيمبابوي الأعلى»؟!

أليست هذه الصحف التي تحتفل برحيلي هي ذاتها بحبرها وورقها ومراسليها ومحرريها وكتابها التي كانت بالأمس تقول بأني هبة الله للقارة السمراء؟!

ربما عرف الإجابة متأخرا وبعد أن بلغ من العمر ثلاثة وتسعين عاما، وأدرك أن الخوف يصنع منافقين ومرتزقة ولا يصنع ولاء حقيقيا. ربما أنه حينما أدرك الحقيقة ارتد إليه صدى أفكاره: آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المستبدين.

وعلى أي حال..

يقال ـ وأنا أصدق كل شيء ـ بأن زوجة موغابي كانت أحد أسباب سقوطه، وأن حبه لها أورده المهالك، وهذا شأن الحب في كل زمان ومكان. والحب أحد أكثر أوجه الاستبداد وضوحا، فاحذروا أحبتكم وحصنوا قلوبكم أكثر مما تحصنون أسوار بيوتكم. فاختراق الاسمنت أمر يمكن ترميمه أما اختراق القلب فلا بنيان بعده.. والسلام.

@agrni