باسم سلامه القليطي

هل سوء الظن فراسة وفن؟

الثلاثاء - 21 نوفمبر 2017

Tue - 21 Nov 2017

لماذا سوء الظن؟ البعض يسيء الظن لجهل أو سوء فهم، والبعض لحسد أو حقد، والبعض لمصاحبته أهل الفسق والفجور، قال أبوحاتم البستي «صحبة الأشرار تورث سوء الظن بالأخيار»، والبعض دائما يسيء التعميم، والبعض يعتقد أن سوء الظن فراسة وفن، والبعض متعجل دائما في إطلاق الأحكام، بلا تقص ولا استفهام.

وأنت لو راجعت نفسك، واستعدت ذكرياتك، لوجدت مواقف كثيرة أسأت فيها ظنك، واستعجلت فيها إطلاق حكمك. أذكر أني كنت في مواقف أحد الأسواق أنتظر صديقا لي، وأثناء انتظاري شد انتباهي مشهد سيارة تقف أمامي وتقترب منها سيدتان، إحداهما عجوز والأخرى شابة، تدفعان عربة محملة بالأغراض، وبداخل السيارة شاب يجلس مرتاحا، ومع اقترابهما لم يحرك ساكنا، بل إنهما بدأتا بإنزال الأغراض، ولم أجد منه أي اعتراض، فقلت في نفسي بامتعاض: ما هذا الشاب المدلل العاق، يترك لأمه وأخته هذا العمل الشاق، وبعد هذا الاتهام بدقيقة، اتضحت لي الحقيقة، ورأيت المشهد الكامل، بعد أن ختمته بهذا الحكم، بكل حماقة ولؤم، أسأت الظن بهذا الشاب دون أن أتبين الأسباب، وحتى لو لم تتضح أمامي، وجب علي إحسان الظن وتجنيبه اتهامي.

وبعد أن أنهت الشابة تحميل الأغراض أخرجت من السيارة كرسيا متحركا وفتحته، وبجانب أخيها وضعته، حاول الجلوس عليه بصعوبة، وبمساعدتهما استطاع أخيرا الجلوس عليه، وكل ذلك وأنا أتأمل المشهد بخجل، وأندم على كل ما حصل، ثم قامت أخته بدفع الكرسي متجهة إلى مكتب الأحوال المدنية الموجود داخل السوق، فاستنتجت أنه ذاهب لإنهاء بعض الأوراق وأني أسأت الظن، وتعلمت من هذا الموقف درسي، بألا أنشغل إلا بنفسي، وأن ألتمس للناس ألف عذر، خير لي من ظلم يتبعه قهر، «ولا ينصب نفسه على الناس قاضي، إلا من هو فارغ فاضي». وتذكرت قول الشاعر:

خذ من الناس ما ظهر ودع الأمر الذي استتر
واشتغل بالعيب في نفسك عن عيوب البشر
رب أمر أنت كبرته ولو أنت صغرته لصغر

على المسلم أن يعتاد حسن الظن بالناس، وألا ينشغل بهم كثيرا، وإذا أساء الظن في أحد أن يستغفر الله عز وجل ويبعد عنه هذه الظنون، فمن استسلم لها أصبح بها مفتونا، وأن يحاول دائما إيجاد المخارج للآخرين. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه»لا يحل لامرئ مسلم سمع من أخيه كلمة أن يظن بها سوءا، وهو يجد لها في شيء من الخير مخرجا».

الأكثر قراءة

جميلة عادل فته

رجال الأمن.. رجال