خضر عطاف المعيدي

ثوب التدين

الثلاثاء - 21 نوفمبر 2017

Tue - 21 Nov 2017

ثوب الرياء يشف عما تحته

فإذا التحفت به فإنك عار

والناس مشتبهون في إيرادهم

وتفاضل الأقوام في الإصدار

(أبوالحسن التهامي)

لا تصرف العبادة لغير الله، وقد صنفت أبواب كثيرة في كتب العقيدة عن أن صرف العبادة لغير الله يعد ضربا من الشرك بالله. والشرك كما يعلم أغلب الأفراد بأنه يتنوع، منه أن يتخذ الناس أحبارهم ورهبانهم أندادا من دون الله، ومنه أن يصرف العمل لغير وجه الله لينال فاعله الحمد والثناء من الناس. وحديث (أول من تسعر بهم النار ثلاثة..) يحفظه الكثير ويفهمه القليل. ولقد طرأ على الناس في عصرنا الحاضر نوع من الشرك، وهو نوع من التدين الوقتي أو اللحظي، فبه يلبس الإنسان المتدين ثوبا براقا يعكس ورعه ومدى خوفه من الله أمام الناس، وبه يدافع عن الدين الإسلامي بحماس وجد، وبه ينفح عن الإسلام كل شبهة حلت به، وبه يسحب بساط الرضا إلى جانبه، وبه يحلب ما في جيوب السذج من الصدقات والتبرعات، وبه يمرر تجارته وأرباحه على الناس وفق مفهوم «تعاملات وفق الشريعة الإسلامية» ووفق منهج «حلال».

لكن عيب هذا الثوب أنه سريع الاتساخ والالتصاق بالأرض، فسرعان ما يخلعه صاحبه إذا أوصدت الأبواب في البيوت، ويخلعه إذا حلقت الطائرة متجهة لخارج أرض الوطن والجماعة والقبيلة، ويخلعه إذا ما تصادمت قيم البداوة والقبيلة بداخله مع قيم الدين، وبهذا الخلع يستمتع بحياته الطبيعية كغيره والتي قد تكون مليئة بالمحرمات وليس المباحات، تاركا ثوب التدين متدليا على مشجب الملابس الملاصق لباب الخروج تحسبا لأي طارئ.

ما يثير التساؤل: لماذا عشنا لعصور نعاتب النصارى بأنهم لا يذهبون للكنيسة إلا ليوم واحد – الأحد؟ وفي الوقت نفسه نجد بأن أثر ذلك اليوم على حياتهم وتعاملاتهم وسلوكهم المتميز والراقي كثيرا. والشيء بالشيء يذكر: لماذا نذهب للمسجد في اليوم خمس مرات؟ ومع ذلك لا ينعكس ذلك الجهد في الذهاب للمساجد على سوء أخلاقنا، وسوء أدبنا مع المختلف لونا ودينا ومالا، وسوء تعاملنا مع بعضنا البعض، واستنقاصنا لبعضنا وفق القبيلة والفخذ والقدم.. إلخ.

الجواب بسيط جدا لهذه الفرضية البحثية: نحن نلبس الدين ونخلعه أكثر من ذهابنا للمسجد، فبحسب من نجالس نلبس ونخلع ثوب التدين، وهذا أدى إلى تزعزع مفهوم العقيدة لدى الكثير من أفراد المجتمع، وبه انغرست عقدة خشية الناس في قلوب الناس أكثر من خشية الله، بالرغم من أن الذي يقرر مصيرك إلى الجنة أو النار هو الله وليس الناس، ولكن لعل جنة الناس ونارهم أشد أثرا على بعض الأفراد من جنة الله وناره. ألم تحن الساعة لوقفة حقيقية لمفهوم العقيدة المتزعزع!

الأكثر قراءة

جميلة عادل فته

رجال الأمن.. رجال