‬التغير المناخي.. تلك إذا قسمة ضيزى

الثلاثاء - 21 نوفمبر 2017

Tue - 21 Nov 2017

في الصين حيث سورها العظيم، واقتصادها الذي غطى بجناحيه كوكب الأرض، شامخا مثل التنين الذي ما زالوا يخافون منه، وهو وهم وسراب، لا يستطيع الإنسان أن يظفر ببضع نسمات من الأكسجين يقيم بها حياته، دون أن يكون ثلاثة أرباعها مكونات غازية سامة.

وفي إيران حيث الأنهار والجبال وعيون الزائرين والزائرات لمراقد الصالحين وشواطئ بحر قزوين يمتنع الناس من الخروج من منازلهم لأنهم لا يجدون هواء نقيا يستنشقونه مثلما كانوا يفعلون في غرفهم، أو تحت أغطية فرشهم الدافئة.

وفي مصر وفي الهند وفي دول أمريكا وأوروبا و..و.. حالات أسوأ من حالات التلوث القاتل الذي طال هواءنا ومياهنا وترابنا وملابسنا ونباتاتنا وحيواناتنا وكل شيء جميل حبانا الله به.

فما أسباب هذا التلوث وأسباب التغير المناخي الذي نعايش جزءا ضئيلا منه كحبة رمل في صحراء الربع الخالي؟ وهل هو فقط بسبب الانبعاثات البترولية كما يدعي البعض؟ وهل المسألة تعتبر طبيعية نتيجة للدورات الشمسية ودورات سير الكواكب، ومنها أرضنا حول ملايين الكواكب والشموس؟

وكيف نغفل عن الغازات الأخرى الصادرة من العمليات الزراعية والبراكين والتجارب النووية وحرائق الغابات وانبعاثات النفايات والتلوث والتعدين و..و..؟

بين فترة وأخرى تطالعنا تقارير دولية عن أكثر العواصم تلوثا، وذكرت دول مجلس التعاون الخليجي، ومنها الرياض، مثل بيانات مؤسسة Eco Experts، حيث قالت إن دول مجلس التعاون تصدرت قائمة أكثر الدول العشر تلوثا في العالم، فيما حلت الصين خارج قائمة العشر! وبطبيعة التقرير فلم تبن دراساتهم على قياسات ميدانية، وإنما على استقراء استهلاكي له مآربه الأخرى في ابتزاز الدول المنتجة للبترول ومشتقاته.

وهنا أسأل وأنا الخبير في التخطيط والعلوم البيئية «وأعوذ بالله من كلمة أنا ومن الفخر أو الغرور»، بناء على ماذا تم التوصل إلى هذه النسبة من تلوث دول الخليج العربية والرياض كأعلى نسبة؟ ونحن كبيئيين مختصين نعلم أن من أكثر الأبحاث تعقيدا وصعوبة قياس نسبة تلوث المدن غير الصناعية، لأننا نقيس شيئا متغيرا في فضاء مفتوح وليس قياسات في غرفة مغلقة.. ونحتاج إلى بيانات لعشرات أو مئات السنين الماضية، كما أن الإجراء الميداني التطبيقي لأي بحث منطقي يستغرق 7 – 10 سنوات كي يعطي في النهاية نتيجة متغيرة وليست ثابتة! وتتغير حتى القراءات خلال فترات البحث بعوامل عديدة غير قابلة للتوقع، كمتغيرات الضغط الجوي الذي يقود الرياح والأعاصير والأمطار إلى حيث يشاء الله، وقد يتطلب الحصول على النتائج زرع مئات مراكز الرصد المناخي في المدن والتي تسجل بيانات الطقس 24 ساعة في اليوم، وهذا غير متاح لهم على الأقل في المملكة العربية السعودية.

فهل، والحال هذه، إحصائياتهم مبنية على هذا المنهج العلمي؟ أم إنه استقراء من (خبراء) التغير المناخي واختصاصي الضرائب الدوليين من خلف مكاتب صنعت من غابات الأمازون؟

إن الحكم على التغير المناخي ونسبته لا ينبغي أن ينسب إلى انبعاثات هيدروكربونية لأنشطة صناعية أو مدنية وحسب، بل يجب أن تضاف لنسبة التلوث كل الأنشطة الصناعية والزراعية وحرائق الغابات، وإن كان تأثيرها في الماضي أكبر بكثير والبراكين والعمليات الحيوية للكائنات الحية. كما يجب الأخذ في الاعتبار عند دراسة مسببات ارتفاع درجة حرارة الكوكب جميع المتغيرات، وأهمها المتغيرات الكونية، واختلاف مواقع دوران الكواكب حول بعضها وربطها بالتغيرات المناخية، وهي معلومات ليست بالسهلة حتى على علماء الفلك وجهابذتهم، وتأخذ آلاف السنين لاستقراء نتائجها.. ألم نستدل (ولم نر) على وجود العصور الجليدية؟ فإن كان ذلك صحيحا، أوليس منطقيا أن يكون ما يتبعها من عصور (ساخنة) هو أمرا طبيعيا لتلك الدورات؟

إننا نرى أن أولئك الخبراء الكرام قد ركزوا على كيفية خفض الانبعاثات الضارة وتحسين المنتج الهيدروكربوني (وهذا أمر مطلوب)، ولم يركزوا على الجانب الآخر في الاقتصاد والأخضر، وهو دعم زيادة الانبعاثات المفيدة الناتجة من مشاريع التشجير البيئي، ومكافحة التصحر، وخفض النفايات، وإيقاف التجارب النووية، ومآسي الحروب (التجارية)، وتحسين الدخل المحدود للمجتمعات وإنتاجيتها الاقتصادية.

كما أننا نرى أن خبراء القانون البيئي والضرائب الكرام، وكأنهم قد استيقظوا من حلم سعيد لمفهوم جديد هو (على الملوث أن يدفع)، لجعل الطرف المسؤول عن التلوث مسؤولا عن الدفع مقابل الضرر الذي ألحقه بالبيئة، ثم ما لبث خبراؤهم في التأويل مثل توماس ليذكفست أن وصفوا مفهوما جديدا للحكومة السويدية عن (على الملوث أن يدفع) ليمتد الدفع إلى المنتج، وعرفته منظمة التعاون الاقتصادي (بأنه مفهوم يفرض على مصنعي المنتجات الهيدروكربونية ومستورديها... إلخ)!

وهنا نتساءل: هل إصدار أصدقائنا الخبراء تلك البيانات عن نسبة تلوث ديارنا هو خوف علينا أم لمآرب أخرى؟ فإن كان خوفا علينا وعلى البشرية فليلزموا مصانعهم بتركيب المرشحات (الفلاتر)، وتطبيق التقنيات التي يصدرونها لنا، فهم سبب الانبعاثات وعليهم ينبغي أن تفرض الضرائب وليس على الذي ينتج مقومات رفاهيتهم بأرخص الأثمان.

كما أن عليهم التركيز على إنماء الجانب الآخر الإيجابي في الاقتصاد الأخضر، وأول أساسياته دعم المجتمعات محدودة الدخل، فلا ندعها تحرق الإطارات، أو تقطع الأشجار لتتدفأ أو تطبخ الفتات، بل أن ترفع اقتصادياتها كي تعيش بأمان، ولا يلجؤوا إلى حرق الموارد الطبيعية التي تزيد نسبة التلوث في تقاريرهم!

إن المسألة مسألة عدل ومنطق في التعاطي مع البيانات والأمور المناخية، خصوصا إذا كانت ترتبط بالعلوم البيئية والمتاحة للجميع، فإذا فهموا أننا نفهم ذلك فإننا ننتظر أن يراجعوا منهجهم وتقاريرهم وتفكيرهم، وأن يحولوا مكاتبهم الخشبية الفاخرة إلى مكاتب معدنية، ويتركوا غابات الأمازون توفر لنا الأكسجين وتعيش بسلام.

الأكثر قراءة

جميلة عادل فته

رجال الأمن.. رجال