محمد عبدالكريم المطيري

داء الوهم والوهميين

الثلاثاء - 21 نوفمبر 2017

Tue - 21 Nov 2017

لطالما تساءلت كيف يمارس طقوس حياته اليومية من بنى مؤهلاته وظاهر نجاحاته على أساس واهن ليوهم الآخرين بأنه شيء آخر غير نفسه؟ كيف تقر عينه بنوم وهو يعلم أن ما يعيشه محض كذبة؟ لا أستطيع أن أضع يدي على موطن جرح الوهم ومتى أصبنا به؟ ولكني أرى آثاره واضحة وجلية.

أعتقد أن للمسألة أبعادا كثيرة تنعكس أولا من ثقافتنا الاستهلاكية والتي جعلتنا نرغب بكل شيء وبأسهل طريقة ممكنة لتخلق نوعا من عدم الجدية والاستهتار، كذلك تعليمنا بكل مراحله وكل أفراده وطاقمه من معلمين وإداريين ومن أكاديميين وغيرهم يتحمل جزءا كبيرا من المشكلة وتفاقمها وآثارها الجانبية. إنه لعجب أن يصدر مثل هذا الفعل من مجتمع تمتلئ أحياؤه ومساجده بأصوات الواعظين.

الثقافة الدينية وللأسف ركزت على جانب العبادات بشكل كبير وأغفلت جانب المعاملات، وإن كان أثر العبادات وتأثيرها شخصيا بدرجة كبيرة، فإن أثر المعاملات يتعدى حدود الشخص ليشمل كل من لهم علاقة مباشرة أو غير مباشرة به.

فالإخلاص كمفهوم حصر وقصر على العبادة ولم نعلم بأن الإخلاص أسلوب حياة لا بد أن ينعكس على الشخص في كل ممارساته، ولا يمكن له أن يتم بانتقائية. تعب وأرق وعناء وألم النجاح ألغاه ذلك الوهمي وهمشه بماله ليصل للدال الوهمية، ويقدم قيمة وهمية لجامعته المعنية وطلبته المغلوبين على أمرهم.

سعار الألقاب والنجاح الزائف وندرة القدوة الصالحة الناجحة جعلا من مثل هذا الفعل مصدرا للنجاح. ونتعجب بعد كل ذلك من انتشار الوهميين في جامعاتنا من الجنسيات المختلفة، ونسينا أو تجاهلنا أنه من الممكن أن المسؤول عن جذب ومقابلة وتعيين هؤلاء الوهميين وهمي آخر مثلهم من الله عليه بأن جعله سعوديا.

الأدهى والأمر من كل ذلك أن يكون أو كان هذا الوهمي مبتعثا في يوم من الأيام، فهو قد منح الفرصة بأي طريقة كانت وسلب مستحقا آخر مكانه، وبكل استهتار لم يقدر هذه الفرصة وجعل من المرتزقة من معدي البحوث ومراكز الخدمات التعليمية غطاء له وفاعلا عنه، ويعود بعد أن كان نائبا عن فاعل لفعل بني على مجهول لأمد طويل ليطالب كل من يعرف ومن لا يعرف ألا يقلل من احترامه بمناداته باسمه الأول ما لم يكن مسبوقا بتلك الدال عديمة الجهد فاقدة الثمرة.

ينفي البعض عن نفسه تهمة الوهم بحجج واهية كافتقاره للمعرفة وعدم مقدرته على التوفيق بين متطلبات المواد المختلفة، وبأن لجوءه لهم هو محاولة واحدة في بحث واحد لم يسعفه وقته للقيام به وحده. وأقول إن المشكلة لن تحل ما لم تكن هناك رغبة جادة في التعلم ورغبة جادة في القضاء على الوهميين؛ لضمان عدم تصدرهم في المجتمع، وبأن تكون الفرص خاضعة للمنافسة الشريفة لينالها الأكثر جدية وكفاءة.

هذه حلول قد تبدو مثالية وصعبة المنال في الوقت الحاضر، ولكنها تأتي بالممارسة وتتحقق بالإخلاص والرغبة الصادقة.

الأكثر قراءة