عبدالله الجنيد

الاستقالة

السبت - 18 نوفمبر 2017

Sat - 18 Nov 2017

قال الرئيس الراحل جون كنيدي «لا توجد مدرسة للرؤساء، ولكن يجب أن تكون هناك سبل وآليات ذات تأثير في صناعة قرارات الرئيس أو مراجعته فيها». استقالة الحريري ربما هي مثال على تلك المقولة، فمن الناحية السياسية أو الأخلاقية لا يمكن تخطئة قرار الحريري، إلا أن الإدارة الإعلامية للموقف السياسي أفقدته بعض عناصره الحيوية. فقد استطاعت الحملة الإعلامية المضادة تحويل الاستقالة من موقفها الموضوعي إلى المكاني بعد أن قال الرئيس الحريري «دستوريا يتوجب علي تقديم استقالتي إلى الرئيس عون وأنا راجع إلى بيروت قريبا جدا». دستوريا لا يوجد ذلك النص الملزم، لكن الرئيس الحريري ألزم نفسه ولبنان بذلك.

خطة احتواء الموقف التي نفذها الرئيس عون وحزب الله تكونت من عنصرين أولهما التشكيك في الاستقالة نتيجة ظرفها المكاني، وثانيهما، هو الاستثمار في تضخيم هاجس انزلاق لبنان في أزمة ستتجاوز السياسية. لذلك استقبلت العواصم الأوروبية جبران باسيل ليس كمبعوث رئاسي بل وزير خارجية لحكومة قائمة. ذلك الموقف حفز دولا أخرى مثل تركيا بالإضافة للقطب الثلاثي في الأزمة السورية (إيران، روسيا والصين) على الدخول على خط الأزمة داعمة لموقف الرئيس عون ظاهريا لكنه في حقيقة الأمر دعم لإيران وحزب الله.

الموقف المصري الكويتي «المتباين» غير المبرر من موقف السعودية من الحالة السياسية في لبنان واختزالهما موقفها من حزب الله أسهم في تحفيز التحفظ الأوروبي على الاستقالة، خصوصا بعد تصويت مصر ضد مشروع قرار إدانة حزب الله وتنظيمات مصنفة إرهابية تتبع إيران في الجمعية العامة للأمم المتحدة. ذاك وما صاحب بعض تصريحات الحريري من تضارب أضر بالموقف السعودي، خصوصا والقاهرة من سيحتضن الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب اليوم الأحد. ربما قد نحاول «جاهدين» تفهم الموقف الكويتي انطلاقا من مبدأ النأي بالنفس حسب ما تقتضيه الحالة الكويتية، ولكن سيستحيل تفهم الموقف المصري مهما كانت مصالحها مع كل من روسيا والصين. فإن كان ذلك موقفها من قرار معنوي في الجمعية العامة فكيف سيكون عليه مبدأ «مسافة السكة» في حال تعرضت إحدى دول الخليج العربية لاعتداء مباشر من إيران.

أو ربما قد يتعين علينا لاحقا القبول بالتباين في أمر أوتوستراد طهران بيروت انطلاقا من تعارضه ومصالح البعض دون احتساب مخاطر ذلك على أمن عمق الاستقرار العربي الممثل بالمملكة العربية السعودية. شماعة التباين على حساب مصالحنا القومية أمر مرفوض ولم يعد مقبولا بعد اليوم.

استقالة الحريري ستمثل امتحانا غير مسبوق سياسيا قد ينتج تحجيما نسبيا لحزب الله وطنيا، كذلك قد تحفز اللبنانيين على تخطي خطوط التماس السياسي طائفيا. إلا أن مواقف بعض الدول العربية من الاستقالة قد تؤسس لواقع سياسي عربي عربي قد يكون الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب في القاهرة أولى محطاته إن تم استفزاز المملكة العربية السعودية بشكل غير مبرر إن قبلت دولة المقر تمثيل لبنان بوزير خارجية لحكومة مستقيلة كما حدث سابقا من موقفها من مقعد سوريا في الجامعة العربية. المراجعات السعودية القادمة من هذه الدول العربية ستتجاوز أزمة استقالة الحريري أو ما يمثله حزب الله من تهديد لأمنها القومي، وسوف تكون مصالحها الوطنية منذ الآن ميزانها الأول في كل علاقاتها العربية وغير العربية. وفي حال قررت دولة المقر قبول تمثيل لبنان بجبران باسيل فإن مستوى تمثيل بعض الدول ومن بينها السعودية قد يخفض لأدنى مستوى ممكن في مثل هذه الاجتماعات حتى وإن كانت هي الداعية لها.

@aj_jobs