باسم سلامه القليطي

أفعال بسيطة ونتائج عظيمة

الخميس - 16 نوفمبر 2017

Thu - 16 Nov 2017

بصورة شبه يومية أمر بجوار جبل شاهق تعمل مجموعة كبيرة من المعدات على تكسير أحد جوانبه، وكلما رأيتها على هذا الحال أتبسم من إصرارها العجيب على إنجاز هذه المهمة المستحيلة. وما يزيد المشهد سخرية هو حجم هذه الشاحنات والمعدات وهي تتحرك على الجبل الضخم وكأنها ألعاب أطفال، ولكن هناك مشهدا خفيا لا تلتقطه أعين الفضوليين، وهو ذلك التغير الطفيف في ملامح الجبل نهاية عمل كل يوم، وبعد مرور بضعة أشهر بدأت الصورة تتضح، فالجبل لم يعد كما كان، بل إنه فقد أحد الأركان، وبعد مشاهدتي لتأثير هذه التغييرات الصغيرة بدأت أتفكر في بعض الأمور.

نتجاهل صغائر الذنوب، على الرغم من أننا نعلم أنها تضر ولا تنفع، وأنها تخفض ولا ترفع، ومع ذلك فنحن نتساهل فيها باعتبارها صغائر، ولكننا ننسى أن الخطورة تأتي بازديادها وتكاثرها، فهي وإن بدت كحبات الرمل، لكنها متى ما كثرت أصبحت كالجبل، قال الرسول صلى الله عليه وسلم «إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه».

الإنسان إذا ما أراد أن يكتسب مهارة، أو أن يتعلم علما مفيدا فلا يعجزه عن ذلك أي شيء، إنما هو التدرج وتجزئة الهدف الكبير إلى أهداف صغيرة، بحيث يسهل التركيز عليها، ومن ثم إنجازها. تخيل لو أنك أخبرت طفلا بأنه سيمكث على مقاعد الدراسة 17 عاما حتى يكمل دراسته، غالبا ستجده يمتعض ويعترض، أما إن تركته يعيش كل سنة دراسية على حدة، بالتأكيد أن الأمر سيصبح أكثر راحة وسهولة، فمن تأنى نال ما تمنى، والعصفور قد بنى عشه قشة قشة.

لا تستهن بصنائع المعروف وإن صغرت، كلمة طيبة، ابتسامة نقية، حسن معاملة، إدخال سرور، كشف كربة، كظم غيظ، ستر عورة، إفشاء السلام، قضاء دين، إماطة أذى عن طريق، إرشاد عابر سبيل، مساعدة ضعيف، غرس شجرة، سقاية حيوان، صدقة بمال قليل، افعل المعروف وإن صغر فلا تدري أي معروف سيقبله الله منك ويكون سببا في دخولك الجنة، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم «صنائع المعروف تقي مصارع السوء، والصدقة خفيا تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم زيادة في العمر، وكل معروف صدقة، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، وأهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة، وأول من يدخل الجنة أهل المعروف».

إنما هي هكذا حياة الإنسان مجموعة من الأقوال والأفعال البسيطة المتراكمة، إن كانت في خير فهي خير، وإن كانت في شر فهي شر، وإن جاءت بدون وعي ففي الغالب مدمرة، وإن جاءت بوعي ففي الغالب معمرة، وما الأشياء الكبيرة إلا تراكمات لصغائر الأشياء، فلولا السواقي ما كانت الأنهار، ولولا المعاني لما اكتملت الأشعار.