رهام رشاد فراش

فستق فاضي!

الثلاثاء - 14 نوفمبر 2017

Tue - 14 Nov 2017

ليس بالضرورة أن يكون القدوة صاحب إنجاز كبير وخبرة طويلة ويملك سجلا حافلا بالنجاحات الوردية المسطرة بماء الذهب دون عثرات أو إخفاقات تذكر!

لأن هذا النوع من القدوات هو شخصية يكتب عنها في رواية نموذجية، أو يتم تحنيطها في متحف، لكنه لن يكون قدوة فعلية وملهمة لجيل شاب ينظر لهذه الإنجازات على أنها عالم خيالي صعب الوصول إليه أو تقليده ومحاكاته، سيتسلل له الإحباط وينفر من هذه القدوة «الخمس نجوم»، وسيبحث عن قدوة واقعية يبكي ويضحك، ينام ويأكل كباقي البشر، مر في حياته بمراحل صعود وهبوط، ونقطة الإلهام في مسيرته هي الصمود وروح التحدي والإقبال على الحياة بكل ما فيها وليس العصا السحرية ولا انتظار السماء أن تمطر ذهبا.

من المؤسف أننا أصبنا بفيروس مؤخرا انتشر في الأنحاء يسمى «القدوة النجم»، قالب نمطي من الشخصيات التي تم تصديرها كقصة نجاح، وأعطيت ضوءا ومسرحا لتسرد تفاصيل باهتة مكررة منزوعة الروح، وتتكرر ذات الأسماء في كل مناسبة وكأن النساء لم تجلب للدنيا إلا هم!

والمحزن أن البعض يتأثر بتفاصيل الهراء الذي يبثونه، وتملؤه الحماسة لتقليدهم في مجال ريادة الأعمال خاصة، والمشاريع الصغيرة، والله يعلم بالنتائج التي حتما ستعلمه الدرس الحقيقي وقتها، لأن معطيات الشخص وقدراته لا تتساوى مع النجم الملهم الذي قد يكون ولد وفي فمه ملعقة من ذهب، وحفيدا لسلالة من العائلات التجارية التي ورثت له المال والخبرة والمعرفة بالجينات!

ليس بالضرورة أن يتصف القدوة أو الشخصية الملهمة بالشهرة ولا الوسامة ولا عدد المتابعين الذي يفوق المليون. يجب أن يكون حقيقيا وصاحب إنجاز ملموس تكتشفه بنفسك حين تبحث عن علامات تهتدي بها لطريقك الذي اخترته! فتأخذ منه ما يلزمك من زاد للرحلة وتترك ما لا تحتاج من جوانب لا تلائم تجربتك.

كثير ممن نستلهم من ضياء معارفهم اليوم عاشوا ورحلوا وهم مجهولون، وجاء من بعدهم أقوام استخرجوا كنوز علمهم وانتفعوا بها، لم يكونوا قدوات في زمانهم ولا طالبي شهرة.

وينبغي لرائد الأعمال الحقيقي أن يكون في مطبخ مطعمه، أو بين المكائن في مصنعه، أو في أي حقل ميداني لعمله، ليشتغل بالإنجاز لا بالأضواء التي تحرق أصحابها بزيفها، وبهالة النفاق التي تحيط بها.

والقدوة الحقيقي سيبرز في الوقت والمكان اللذين يستحقهما.

نريد نماذج لقدوات فريدة في كل المجالات، نريد أن نكرم الأم المربية التي تسعى لغرس قيم الصلاح والوطنية والإنسانية ونبرزها كقدوة. نريد التنقيب عن قدوات من المعلمين والمعلمات ممن يعملون في مهنة مقدسة ويصنعون جيلا مميزا يعرف مهاراته وقدراته، يرعاها ويخدم الوطن والإنسانية بها، لا أن ينسخ ويلصق الحروف على ورقة الاختبار، ويكون رقما زائدا أو نسخة مكررة من زملاء فصله! نريد أطباء وطبيبات يجرون الأبحاث، ينقذون البشر ويتعاملون بمهنية إنسانية لا يتاجرون بقيمة العملية وثمن الإقامة الفندقية في المستشفى!

نريد قدوات من المهندسين والطيارين وأصحاب الحرف الصناعية واليدوية. نريد كتابا وإعلاميين حقيقيين ومخلصين لا يتاجرون بالكلمة ولا يسعون للسبق الصحفي لا المهني.

ما نبحث عنه مجموعة من القيم التي قد لا تجتمع كاملة في شخص واحد، لكنه يحرص بشغف على حصد المعرفة والتطوير المستمر لذاته ومهنته أو صنعته، يمتلك حسا بالمسؤولية تجاه الوطن والبشر، يعترف بأخطائه ويتعلم منها، ويسعى ليتخذها جسرا نحو الهدف الأسمى الذي يود بلوغه، لا يغتر بنجاحه ولا يكتفي بإنجازه، فالوقوف يعني التقادم، لأن عجلة النجاح لا تهدأ ولا تنام ولا تتسمر على أعتاب مرحلة معينة.

والشهرة، وإن ملأت الأرصدة البنكية لأصحابها، تكون أحيانا كثيرة نقمة، تسلب الشخص ذاته وتلبسه قناعا مزيفا، يعيش وهو مرتديه في حالة من الغيبوبة اللاشعورية التي تجعله يصل للوقت الذي ينظر فيه للمرآة فلا يملك القدرة للتعرف على ذاته الحقيقية.