عبدالله الجنيد

واتزحلق السيد

السبت - 11 نوفمبر 2017

Sat - 11 Nov 2017

«كل أمر مباح في الحب والحرب all is fair in love and war» ذلك مثل إنجليزي قد يقارب قرائيا موقف دولتي لبنان الرسمية والعميقة (حزب الله) بعد أن أسقط في أيديهما نبأ استقالة سعد الحريري من العاصمة السعودية الرياض. لم يدر في خلد إيران أو حزب الله أن ينجح طرف آخر في توظيف تكتيك التعطيل الذي ابتدعاه في تحقيق نصر سياسي بهذا الحجم وهذا التوقيت الذي يعاني فيه كلاهما من الانكشاف السياسي. وليس من الواجب بعد الآن إنكار الدور السعودي في هذه المناورة السياسية المعقدة جدا بعد الآن. ففي حين كان الجميع ينتظر سقوط القنابل على مقار حزب الله في الضاحية كما سوق لذلك بعض الإعلام المرتجل، وجدنا خطوط التماس سياسيا قد عادت للمشهد اللبناني على أسس وطنية وليست طائفية.

حتى خطابي «السيد» في هذا الشأن والذي كان آخرهما في إحياء ذكرى أربعين الحسين، كانت عناوينه سياسية أكثر منها روحية، إلا أن الهدوء إن لم نقل الصدمة هو القاسم المشترك بينهما، وكأنه يقول للرياض «هذه الجولة لكم والحرب طويلة». نصر الله أدرك الآن أن خوض مواجهات على ثلاثة محاور (عسكرية، وسياسية، واجتماعية) في ضوء التحولات الحاصلة جيوسياسيا بات مستحيلا بعد الآن، وفي حال تمخض الحوار الأمريكي الروسي عن تصور سياسي قابل للاستدامة يكون قائما على مبادئ جنيف1 في نسخة روسية، فإن ذلك سينهي كل أحلام إيران في أوتوستراد طهران بيروت. أما في البعد السياسي اللبناني وخصوصا بعد تصنيف الخارجية الأمريكية والبيت الأبيض لاحقا لحزب الله منظمة إرهابية، فإنه بذلك قد خسر حصانته السياسية والانتخابات البرلمانية على الأبواب. ولن ينفع بعد الآن موقف بعض الفرنكوفون حال تحول الموقف الأوروبي من حزب الله. أما فيما يخص الإطار الشكلي للاستقالة وتجاوزها على العرف والدستور، فإن ذلك أمر قد قضي فيه.

الصاروخ الإيراني الذي استهدف مطار الملك خالد في الرياض لم يكن أكثر من محفز للتسريع في تفعيل آليات تنفيذية في ملفات عدة. طهران والضاحية أدركتا فداحة الخطأ، فالغرور السياسي هو من أرذل الكبائر الاستراتيجية. فمؤتمر سوتشي حول سوريا لم يعد على الطاولة رغم النشوة الكبرى في موسكو بزيارة الملك سلمان، وحضور غير مسبوق للرياض في الأزمة الكردية، وتحولات في الموقف السياسي (عسكريا) في اليمن وخصوصا في ملف ميناء الحديدة والذي سيحرم الثلاثي الداعم للحوثي من آخر أوراقه السياسية.

في خطاب إحياء ذكرى الحسين اقترح «السيد» على السعودية اقتسام لبنان 50/50، وذلك ليس في وارد الأمر الآن بعد فشله قرائيا استثمارها في معادلة ترحيل الملفات من أجل لبنان عبر دعمها توافق كتلة المستقبل في دعم مرشح حزب الله عون. الآن، خسر حزب الله البرلمان الذي كان جل نتاجه تعطيل وإفشال الدولة، وعند انقضاء أجله سيكون عليه اختراع مادة تضاف للدستور ليتمكن من التمديد له. أما الرئيس عون فعليه الاختيار بين إحياء مجده السياسي أو الانتحار السياسي، ولن يكون ذلك خارج حسابات دولة الرئيس بري ربما وهو سيد الواقعية السياسية.

استنهاض الهوية الوطنية اللبنانية سياسيا هو الهدف الأول الآن، أما ما يرشح من قراءات حول أعمال عسكرية أو المغامرة بحرب أهلية في لبنان فذلك يجب التجاوز عنه. التحديات الوطنية لبنانيا كبرى ويجب القبول بها، وأصدقاء لبنان الحقيقيون سيقفون معه بكل الأشكال وفي شتى الظروف، ولن يسمح بأي شكل من أشكال «الزعرنة»، لكن ضبط النفس أمر مطالب به من الجميع.

«السيد» قد تزحلق على جذور رقبته سياسيا، وسيكون من الصعب إعادة تأهيله وطنيا من منطلقات ولاية الفقيه مرة أخرى. أما دولة رئيس البرلمان نبيه بري، فقد يرى في التحولات مخرجا من حالة يصعب استدامتها بعد الآن ولبنان على مفترق طريق يجب أن يستثمر فيه كل اللبنانيين، والعراق خير مثال على ذلك.

@aj_jobs