أحمد الهلالي

ملك الزمان يا لبنان!

السبت - 11 نوفمبر 2017

Sat - 11 Nov 2017

يقول ليجان السكمري، بينما كنت أجذب الدلو من بئر في بستاني في مدينة (صيدا) في قر ضحى شتائي، شعرت بحرارة خلفي، فالتفت فإذا برجل ملثم يعتب على قدم واحدة، في يده اليمنى عصا زجاجية، وفي يسراه (زميرة) كأنها ناب الفيل، كلما اقترب مني ازددت إحساسا بالحرارة، وقف عني بمسافة خمسة أذرع فأشار إلى الدلو، فناولته إناء، وأنا أشعر باختلاج المتوجس، ثم التف يداري وجهه عني، وحين فك اللثام ورفع الإناء لمحت لونا مريبا في رقبته، فحاولت التأكد، وسرت بخفة كأني أريد العبور إلى الشجرة، فرأيت شق وجهه الأيمن بزرقة نهر الليطاني، واقتربت منه، فقذف الإناء نحوي وتلثم، لكني لم أعد أشعر بتلك الحرارة الوهاجة منه، أمسكت بساعده الأيمن، وقلت له: أستحلفك بالله من تكون؟ فحاول الفكاك، لكني أحكمت قبضتي وكررت السؤال، وسحبته على مهل إلى حصير تحت الشجرة، جلسنا وهو صامت، أبى أن يميط لثامه، فقربت منه فاكهة كنت أخبئها عن الذباب، وحاصرته بالأسئلة، فأدار ظهره وقال بلكنة فارسية:

«أيهذا العربي، أكرمتني بالظل والماء، وقدمت لي خيرات السماء، لكنك أتبعت الحسنة السيئة، ونبشت نيرانا مفيئة، أنا الحارس الأحمر، الفارع الأنضر، سليل الأكاسرة، مذل البياطرة، كنا سادة الأنام، فدارت علينا الأيام بالأسقام، وابتلينا بالجرب مذ تولى قيادنا العرب، فارقني احمراري، وتهدم في (بوشهر) داري، فهمت على وجهي في البراري، أنقب تحت الألواح عن مداري، حتى لقيت في القدس أثرا، ملأني كدرا، وحول لوني كما ترى، فكل ما سيبنيه أحفادنا بالحيلة والدهاء سيذهب هباء هباء هباء».

ثم سكت، فدفعته إلى الكلام، أيها الغول، إلام تقصد بهذا القول؟ أأكرمك فتذم قومي، وتنثر على ظل الكلام لومي؟ أجبني. فالتفت إلي بعين كسيرة، ونفس مريرة، قائلا «آه يا هذا، لو تعلم ما أعلم!، فحين ينجح أبناؤنا في جعل بعضكم يموج في بعض، بين الطعن والصفع والعض، وتكاد شمسنا أن تشق السماء، فنطوق جزيرة العرب من كل الأرجاء، يفاجئنا القدر بأسود الصحراء، يقودهم ملك حازم، لا يعرف في الحق لومة لائم».

فسألته حالا: من ذا الذي سيعري لؤمكم، ويفرق في الأنام شملكم؟. تنهد حتى التهبت أنفاسه، وصارت جمرا أضراسه، وقال «هو سلمان، ملك الزمان، سينقض كل ما فتلنا، ويقطع كل ما وصلنا، ويرمم كل ما قطعنا، ليتني أعيش إلى زمانه، وأكتب لأتباعي عن قوته وثبات جنانه».

ولى الجني الأزرق، وأنا في ذهولي أغرق، تمنيت أمنيته، فأسندت ظهري على جذع الشجرة، لم أشعر بطمأنينة على العرب كشعوري هذا اليوم، فنمت عميقا، وما صحوت إلا على صوت زوجتي وهي تركلني: ما بالك تقول وأنت نائم «هنيئا للأوطان، قائدنا سلمان»؟!

ahmad_helali@