وكم عز أقوام بعز لغات!

الخميس - 09 نوفمبر 2017

Thu - 09 Nov 2017

كثيرا ما نسمع في الاجتماعات أحد الوالدين يتفاخر بجهل الطفل باللغة العربية، وكيف أنه «بلبل» باللغة الأجنبية، أو كيف أنه يرفض أن يتحدث باللغة العربية لأنه لا يحبها أو يتحدث عربية عجماء. مبدأ تعليم الطفل لغة ثانية مقبول جدا ومعقول جدا، فقد أثبتت الدراسات أن الأطفال ثنائيي اللغة هم أذكى من أقرانهم وأسرع فهما. كما أن اللغة الثانية تفتح الأبواب وتمهد الطريق لتعلم لغة ثالثة وربما رابعة. ديننا حث على تعلم اللغات والترجمة والعلم. حركة الترجمة أثرت كثيرا على ثقافتنا وساعدت في نقل العلوم إلينا ومن ثم إلى الغرب. فمن حيث المبدأ أضم صوتي وأنادي بتعليم اللغات منذ الصغر، لكن ما لا أتفق معه هو الإهمال للغة الأم والموروث الثقافي والتاريخي، وهي أزمة أرجو ألا تتجلى.

إن اللغة تحمل ثقافة وموروثا وانتماء. كيف لنا أن نطالب بجيل يعتز بهويته ويفخر بلغته وبتاريخه في حين أن هناك من يحث على إهمال المفتاح للهوية والثقافة والتاريخ وهو اللغة؟

صديقتي معلمة للمرحلة الابتدائية في إحدى المدارس التي تعتمد اللغة الإنجليزية كلغة للتدريس وكانت تحدث طالباتها عن الأخلاق الفاضلة والصدق وكيف أن ذلك يؤدي إلى الجنة. فسألتها إحدى طالباتها «وما الجنة؟». صعقت صديقتي وأخذت توضح لها. ما أريد الإشارة إليه هو الأولوية في التربية. العبرة هي ليست في كون المدرسة تعتمد لغة أجنبية للتدريس، بالطبع لا، ولكن كون بعض الوالدين يركز على القشور، على الظاهر وينسى بناء الجوهر. ماذا يحدث لمنزل قام من غير أساس؟ سيسقط مع أول بوادر للريح، وما أكثر العج!

لذلك نجد نماذج من المراهقين والشباب، لا خلفية لهم بثقافتنا وإنجازاتنا لا السابقة ولا الحالية، ولا بالشخصيات التي يحفل بها تاريخنا، ولا بالدور الذي لعبته الثقافة الإسلامية في نشر المعرفة والإسهامات التي قدمتها في شتى المجالات، ولا بالشخصيات المعاصرة التي تترك أثرا وتلمس حياة الآخرين، بل يجلس الواحد منهم ليفكر فيقرأ كتابين ويقتبس فيلسوفين فيصدر أحكاما ويعزز الصورة النمطية التي تقال عن العرب. نحن بحاجة لجيل قوي الأساس متماسك البنيان لا يهتز بسهولة. إن تعليم اللغة الثانية يجب أن تسايره التنشئة الصحيحة التي تعزز لدى الطفل العزة والانتماء والأساس القوي. لا نريد من أطفالنا أن يعرفوا قصة الجميلة النائمة وقصة الأرنب بيتر، ولا يعرفون من هو إبراهيم عليه السلام، أو من هو فاتح الأندلس أو سيف الدين قطز. بإمكاننا أن ندع الطفل يقرأ قصص التنانين وروبن هود، وفي الوقت نفسه يتمتع بخلفية تؤهله بأن يصنف ويحلل ما يقرأ، لا ينبهر فحسب.

إن بعض كتاب الاستعمار انتقد عندما كتب بلغة المستعمر، فذلك يقوي المستعمر ويضيف إلى ثقافة القوي ويضعف من ثقافة الضعيف الذي استعار القوة في شكل اللغة. هذا ما يفعله البعض، فيستعير هذه اللغة ليبدو مثقفا ومتفتحا.

ما نحتاجه هو القدرة على التواصل مع الآخر في زمن العولمة حيث الإعلام يتحدث باسمنا والأقلام تكتب عنا. نتعلم اللغة لنتواصل مع الآخر، نتعلمها لأن العالم انفتح على بعضه وأصبحنا نتعامل مع أشخاص لا يجيدون العربية، نتعلم لأنه يزيدنا فهما وثقافة ويضيف إلى علومنا، نتعلم لأن ديننا شجعنا على العلم، نتعلم لنرتقي ونهذب أخلاقنا وأنفسنا، نتعلم لكيلا نحكم على الآخرين، نتعلم لكيلا نكون ضحية لأنفسنا.

يا أمهاتنا العزيزات، ويا آباءنا القديرين، الله الله بأبنائكم، فهم مستقبلنا. أعلم أن ذلك لم ينم إلا عن حرص منكم على علم ومستقبل أبنائكم. لا تزيد اللغة العربية الطفل إلا فصاحة وبداهة وقوة حافظة. إن جهل ابنك أو ابنتك بالعربية يحزن القلب. إذا نحن لم نفخر بلغتنا وثقافتنا أصبحت هويتنا مائعة تتخطفها الثقافات والألسن.