هل الحرام والعيب وجهان لعملة واحدة؟

الأربعاء - 08 نوفمبر 2017

Wed - 08 Nov 2017

لطالما تربينا على كلمة عيب وكلمة حرام. لقد كبرت معنا هاتان الكلمتان دون أن ندقق في معنييهما، فالعيب مرفوض بسبب المجتمع الذي نعيش فيه، والحرام مرفوض من الدين الذي نعتنقه. إن سألت أي شخص عن مقارنة العيب بالحرام لقال إن الحرام أشد من العيب، ولكن.. هل تصرفاتنا تدل على ذلك؟

لقد وجدت نفسي أسأل هذا السؤال، وعندما تمعنت في الإجابة، وجدت جوابا مثيرا. وجدت أننا في بعض الأحيان لا نفرق بينهما. وجدت أن مجتمعنا قد يخاف من العيب كخوفه من الحرام. كثير من الأمثلة قد تعكس هذا التوجه في المجتمع. ينفق الرجل منا ما لا يملك في زواجه حتى يلتصق أو يمتثل لعادات المجتمع. يدفع مهرا كما فعل فلان وفلان وفلان. يحجز قصرا للمناسبات بما يفوق إمكاناته. يستدين كي يبدأ حياته الزوجية. إن سألت هذا الرجل لماذا كل هذا الإنفاق؟ سيكون الجواب:» هذا ما يفعله الآخرون». نحن نخاف أن نحيد عن عادات المجتمع حتى لا ينظر إلينا كمتمردين قد وجدوا في مجتمعهم عادات لا تناسبهم، فحادوا عنها، بينما ديننا الحنيف يدعو إلى تسهيل النكاح. روى البيهقي (14721) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «خير الصداق أيسره». وهو عند أبي داود (2117) بلفظ «خير النكاح أيسره». وصححه الألباني.

على مر السنين، نستطيع ملاحظة أن العيوب تتغير بتغير الأجيال. في السابق كان من المعيب أن يتزوج الرجل من قبيلة فلانية. كان من المعيب عمل المرأة. كان ولا يزال عند بعض العائلات اسم المرأة عورة لديهم. كانت بعض العائلات لا تعترف بالرؤية الشرعية. جميع الأمثلة السابقة لم تحرم بنص شرعي في ديننا. في الحقيقة البعض منها قد نقضها الإسلام منذ زمن، ولكن العيب سيطر على تصرفاتنا، وكأن العيب والحرام يمثلان نفس المعنى.

الكثير من أفراد المجتمع قد تخلى عن هذه العادات. ما كان عيبا في السابق أصبح أمر اعتياديا. بخوفنا من العيب أمام أنظار المجتمع نقوي هذه العيوب علينا، فنحمل ما لا نستطيع تحمله. في النهاية نحن من نعطي هذه العيوب معنى أكبر من حجمها.

إن كان العيب يتصل بالحرام مباشرة، فهو مرفوض تماما، لكن أغلب العيوب في المجتمع عبارة عن آراء وعادات قديمة تشبث الناس بها حتى أصبحت مساوية للحرام في نظرنا. ماذا لو قدم الرجل في زواج ابنه الدجاج بدل اللحم؟ هل سيكون أمرا مقبولا، أم إنه قد اقترف جرما في حق ضيوفه؟ سينظرون إليه بعين الاحتقار، وقد يغادر البعض لشعورهم بالإهانة. هل أجرم هذا الرجل في حق دينه؟ لا، ولكنه أجرم في عيون مجتمعه. لقد اقترف جرما فادحا لن يرحمه منه كلام الناس ولا نظراتهم. سيتحدثون عن فعله طوال الوقت، وكأنه فعل فعلا محرما.

جل ما أريده قوله هو: خوفنا من العيب لا يجب أن يضاهي خوفنا من الحرام. العيب قد لا يكون عيبا غدا، ولكن الحرام قد حرم منذ زمن ولن يتغير.

إن صنع الفرد ما يفيده هو دون ارتكاب الحرام، فلا يجب على المجتمع الحكم عليه بسبب عادة صنعها المجتمع بنفسه. إن كنا شعبا نحكم أنفسنا دون أن نجعل مجتمعنا يشكل تصرفاتنا، عندها سيتشكل المجتمع بتصرفاتنا ويصبح العيب ضائعا بيننا يحاول استغلال الضعيف دون فائدة.

الحرام والعيب قد يكونان وجهين لعملة واحدة. أيضا قد يكونان وجهين لعملتين مختلفتين، ولكنهما لا يشكلان نفس الوجه في أي عملة.

الأكثر قراءة

جميلة عادل فته

رجال الأمن.. رجال