عندما يضرب بيد من حديد

الاثنين - 06 نوفمبر 2017

Mon - 06 Nov 2017

عندما كنت يوما عابر سبيل بين جدة والرياض رأيت لوحة مكتوبا عليها «الفساد تعطيل للتنمية»، وفي يوم آخر بين الرياض والقصيم رأيت لوحة مكتوبا عليها «معا ضد الفساد»، وسألت نفسي لم هذه اللوحات خارج المدن، وليست أمام الوزارات والمؤسسات الحكومية، أو على الأقل داخل المدن؟ عندها فقط لاح في خاطري أن الفاسد قوي.. ولكن ليس أقوى من الرقيب.

كانت لدي أعمالي التجارية الخاصة، وفي موقف ما من تلك المواقف، أخبرني أحد مسؤولي المؤسسة الحكومية أنه يجب علي أن أهدي هدية قبل فض مظاريف المناقصة، فسألت من كان معي «هل تلك الهدية واجبة أم مستحبة؟» فأجابني دون تفكير «إن أحببت أن تحصل على المشروع فهي واجبة، بل فرض عين، وغير ذلك فهي حرام. ولا تنس أن بعض علماء الدين قد أجازوها وعلى المهدى إليه الإثم». عندها فقط أضمرت أن الفاسد قد وظف معاييره وتلاعب وحرف بمعايير العامة.

عندما قرأت مرة أن المملكة العربية السعودية في مؤشر مدركات الفساد في عام 2010 قد صنفت في المرتبة الخمسين، وأنه في عام 2014 ارتقينا في الاتجاه المعاكس وحصلنا على المرتبة الخمس والخمسين سألت نفسي «لماذا أخرونا وقد أنشئت في عام 2011 الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نزاهة)». عندها فقط شعرت أن الفاسد قد توغل وتوسع في فساده.

عندما كنت أعمل لإحدى الشركات التابعة لمجموعة قابضة معلومة كالعلم للناس، وفيها ومنها تعلمت كيف أن الأمور تسير وتصير من أجل الحصول على الربح الكثير وبالمجهود اليسير سألت مديري «هل الحال فيما أرى في هذه المعاملات وحدها أم ينطبق على الكل»؟ فنصحني بقوله «هذه حال الدنيا وإن أردت النجاح فمني تعلم وتدرب ثم طور». عندها فقط تعلمت أن الفاسد لا يتواجد فقط في المؤسسات الحكومية، بل الفاسد موجود في الشركات الكبرى في وطني.

عندما جالست مرة خير صديق لي «الكتاب» وأخبرني عن الأمانة في الإسلام، وكيف أن الله سبحانه قد قال ولم يكن هنالك أحسن من قوله (إن خير من استأجرت القوي الأمين)، وأن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قد أخبر بأنه بضياع الأمانة فستقوم الساعة، سألت نفسي «إن كان ديننا الحنيف يحث ويدعو إلى الأمانة فلماذا أرى مسلمين باعوا أوطانهم بعرض من الدنيا قليل». عندها فقط آمنت بمقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه «لا دين لمن لا أمانة له».

ولكن.. عندما ضرب بيد من حديد على كل فاسد بعد أن أحضر الجمع آحادا وزمرا ثم وقفوا أمام قاضي الأرض قبل أن يقفوا أمام قاضي السماء، عندها فقط ولم يكن بعدها أي «تفقيط» أيقنت أن من رفع يده يوما داعيا على فاسد فإن الله قد استجاب دعاءه، ثم أيقنت أن الدرس قد تلقاه الجميع.