محمد أحمد بابا

فإنا نسخر منكم كما تسخرون

الاحد - 05 نوفمبر 2017

Sun - 05 Nov 2017

العالم اليوم عالم سخرية في جدية توجهات، وغالب المجتمعات تلهيها السخرية عن ظلم البعض، وفي السخرية مزالق مسخرة لمن لم يحذر، لكن مع كل هذا فكف اللسان أسلم.

هل نستطيع سخرية دون تكلف حرام؟ حتى متى تظل السخرية حائرة بين المتاح والممنوع؟ من يحق له الاحتجاج بمنع الشرع للسخرية؟ أنا لا أدري، لكن فوضى التدبر لعلها علامة صحية، ففكروا معي.

تأملت قول ربي: (لا يسخر «قوم» من «قوم» عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا «نساء» من «نساء» عسى أن يكن خيرا منهن) فوجدت:

- التعبير بالجمع للفاعل، والمتجه نحوه الفعل، يعني بأن الاتفاق الجمعي على سوء وارد وحادث ومتوقع.

- التعبير بالجمع ربما جعل للعمل الفردي شأنا خاصا غير ما توجهت له الآية في النهي تحريما ومنعا.

- تقسيم الجمع لذكور تجاه ذكور، وإناث تجاه إناث ربما دعانا للقناعة نوعا ما بغالبية الاتجاه التصنيفي للجنس في النيل من الآخرين.

- الاستدراك في الآية بـ«عسى» قد يربط التكليف بغياب الحقيقة حين السخرية، بحيث لو كانت الحقيقة ظاهرة فلربما اختلف الحكم.

- الخيرية في الآية لعلها وإن ارتبطت بالمآل الأخروي لكنها بالمفهوم الدلالي للإنسان، فالدنيا لها مساق.

- كيف نحكم - لو كانت السخرية داخلة بكل أنواعها في النهي - على ساخر في مقال تجاه نقد، أو ساخر في فن تجاه وضع، أو ساخر في قصيدة تجاه معاناة؟

- كأنني لأول مرة أقرأ «قوم»، «نساء» في هذه الآية، فتغيرت ذائقة تفكيري نحو الفهم، حتى لا أكاد أجزم بما لم أتأكد منه، لكن غالب ظني بأن في الأمر بيانا من وجه آخر.

- من تتبع التوجيه الأخلاقي في السورة وجد «ولا تجسسوا» ووجد «ولا يغتب بعضكم بعضا» ووجد «اجتنبوا كثيرا من الظن» فلا غرو أن يقول: يا إلهي ما هذا التفصيل المقنن المنتقل بين الجمع والإفراد، والقطع والاحتمال حين سخرية من جماعة تجاه جماعة، ونهي مطلق عن تجسس فرد أو جماعة على فرد أو جماعة، وتحريم غيبة بطريق التجزئة حيث التبعيض ودلالته، والتحذير من غالب الظن ليبقى قليله.

- كل المنهيات هنا وجدتها دائرة حول التصور، فالسخرية بناء على تصور معين في حال استقلال، والتجسس عمل بناء على تصور مسبق باحتمال وجود تأكيد السوء، والغيبة تصور قطعي منقول لآخر عن آخر.

إذن سبحان ربي الذي جعل من بناء التصورات والحكم الإدراكي مناط نهي وتحذير، سواء كان مصدره القناعة الفردية أو الجمعية، وسواء كان متجها نحو الفرد أو الجماعة، وصدق ربي حين قال: «وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله».

بعد هذا المطاف تداركت نفسي وتذكرت قول الله: (وكلما مر عليه ملأ من «قومه» سخروا «منه» قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون).

والمتبصر يلاحظ:

- الساخر جماعة

- العمل متجه نحو فرد

- الرد من جماعة

- العمل المتجه نحوه جماعة

- السخرية عمل مستحق انتقام عدل

قلت: ربما «السخرية» من رموز مدعاة لرد جماعة، وكذلك هي في اتجاهها للرمز كأنها متجه للتابعين، وربما حين الانتقام العادل تنتفي احتمالية الخيرية بـ«عسى» السابقة في آية الحجرات، ليبقى ما فكرت فيه في بداية هذا الحديث المتواضع محل توقف وتفكير.

أما لغتنا العربية فهي في سخرة تعود بنا لتجريم الاستعباد، وفي التسخير تلزمنا بأن خلق الله درجات، وليس في الأقدار سخرية ولو وصفها الواصفون بذلك.

albabamohamad@