التطرف الديني بين الفتاوى المتضاربة والأفكار المتشددة نموذجا

الاحد - 05 نوفمبر 2017

Sun - 05 Nov 2017

لا بد من القول بداية إن الإسلام هو جملة من الأركان والمبادئ والنصوص، لا يعاني بحد ذاته من أي إشكاليات كما يتوهم البعض، فهو ما زال قائما في نصوصه ومبادئه وقيمه ورسالته كما كان منذ نزوله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يطرأ عليه، ولا يمكن أن يطرأ عليه، أي تبديل أو تغيير كنصوص، لا الآن ولا في المستقبل القريب أو البعيد. وهذا يقودنا إلى تجديد نظرتنا للمفاهيم الإسلامية من جميع الجوانب، وإعادة القراءة الصحيحة للنصوص بما يتفق وشمولية الإسلام ورسالته الخالدة ورحمته بالأمة وحرصه على مصالحها ودعوته إلى هدايتها، لذلك حينما نقول بالتجديد لا نعني الإسلام بنصوصه مطلقا، وإنما التجدد والتجديد مرتبط بالتوظيف الاجتماعي للدين، وليس التجديد إلا تحديدا لأهداف جديدة وإيجاد الإمكانيات والوسائل والأدوات الجديدة أو بالأحرى تحريك هذه الإمكانيات والطاقات في تجديد صلتنا بالإسلام، وتجديد فهمنا له، وتجديد خطابنا معه، وتجديد الوسائل والأدوات، وتجديد التعامل والمعاملات مع القريب المسلم قبل البعيد الآخر أيا كان دينه.

فالجمود في العقول وليس النصوص، في المفاهيم وليس في المبادئ، في التطبيق وليس في القواعد، في الفكر وليس في الدين، في الرجال وليس الأنبياء، وهنا لا بد أن نسأل، لماذا لم نستطع نحن المسلمين أو المنتمين إلى المجتمعات الإسلامية أن ننجح في تجديد الفكر الإسلامي وبث الحياة والحركة في رؤيتنا وفهمنا للإسلام؟. أعتقد جازما أنه بسبب بعض الفتاوى المتضاربة والأفكار المتشددة والرؤى المتباينة، التي ما زالت تعصف بالعقول، وتؤخر المسيرة، فنحن في حاجة إلى الاتزان والاعتدال في القول والعمل، وأن نعي واقعنا المرير بالخروج من الدوائر الضيقة، والدهاليز المظلمة، إلى الفضاء الواسع، والأماكن المضيئة، أن ننطلق في الشأن العام بكل تفاصيله، نعمل للإسلام بفكر نير، وقلب مشرق، وعقل منفتح، وأفق واسع، نجمع ولا نفرق، نحب ولا نبغض، نعذر ولا نخون، نفهم ولا نتسرع، فعباءة الإسلام كبيرة تسع الجميع، نعيد التفسير والتوظيف، نضع الأمور في نصابها، نحرك العقول، ونستثمر العواطف، نزرع الأمل، ونقطع اليأس، نتجدد ولا نتوقف، نحيا ولا نموت، نتفاعل ولا ننفعل.

إن الحركة في الإسلام تقوم على التجديد والاجتهاد في المضمون ومعرفة الدلالات والأدوات، وإعادة المفاهيم الصحيحة إلى أماكنها الطبيعية، ولكيلا نغرق في التنظير، لا بد أن نتعرف على بعض مظاهر الصراع والجدال الراهن في ساحتنا الإسلامية، وخطابنا الديني، ما بين فتاوى متضاربة وأفكار متشددة، ومظاهر صوتية، ومواجهة حتمية كما يحلو للبعض تسميتها.

إن واقعنا المرير ولا سيما في أيام زهو ما يعرف بالصحوة (والتي أشار إليها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان) أظهر لنا ثالوثا تكفيريا قاد البلاد والعباد إلى التكفير والتفجير والتدمير بسبب فتاوى ما لبث أصحابها يتملصون منها ويتقهقرون عنها، مثل فتاوى تحريم المهرجانات، وما زالت المهرجانات والحمد لله قائمة، وتحريم الصحون اللاقطة، وما زالت تزداد يوما بعد يوم على الأسطح، بل تطورت بشكل متسارع، وأن المعالم الإسلامية والتاريخية معابد ومدعاة للشرك لوجود مخالفات شركية وبدعية، والحمد لله أصبح عندنا هيئة سياحة وتراث وطني، وعندنا مشروع خادم الحرمين الشريفين للحفاظ على التراث الحضاري.

ويسمي أحدهم غلوا أحد الأشخاص بأنه حامل لواء أهل الجرح والتعديل، ما يلبث أن ينقض عليه أتباعه فيعتبرونه جارحا مجروحا وليس عادلا ومعدلا، وما درى القوم أن هذه مصطلحات انتفت بانتفاء أسبابها التاريخية، وسمعنا وقرأنا من يتهم غيره بأنه يحافظ على إرثه القديم من النسك الأعجمي في القارة الفلانية، ونكتشف مع مرور الوقت أن هذا المتهم عالم جليل وهو عضو في أكبر مؤسسة دينية في بلادنا.

لقد قصدت من إيراد بعض الفتاوى والأفكار لمعرفة كيف يمكن لنا أن نتطور ونتجدد وما زال بعضنا غارقا في تشدده وغلوه وتكفيره، وكيف نفهم إسلامنا ولم نفهم بعضنا بعد، فالقضية قضية عقلاء يأخذون زمام الأمور نحو الأمام، في موقف جماعي اجتماعي مؤصل بالبعد الديني، والفكر النير، والاجتهاد في المستجدات، والتجديد في الخطاب، ولا بد لنا أن ندرك أننا لا نستطيع الخروج من المأزق إذا ما بقيت إشكالياتنا الرئيسية متعلقة بفهم الدين ومرتبطة وقائمة على أفكار مبتسرة سريعة من هنا أو هناك، فلا بد لنا، ونحن نواجه مسألة الخطاب الديني؛ من أن نتجاوز أفكارنا المجتزأة، وحساسياتنا الشخصية المفرطة، ورؤيتنا المصلحية الضيقة التي كثيرا ما تخفي عنا حقيقة الوضع. وإذا أردنا أن نقدم حلا حقيقيا واجتماعيا لقضية تجديد الخطاب الديني، فعلينا أن نطرح القضية في كليتها وكامل أبعادها، وأن نسعى إلى الخروج بموقف موحد ومنطقي ومنسجم، يساعدنا على تكوين الإجماع الوطني الذي نحتاج إليه من أجل استيعاب الحضارة التي يجب أن يكون لنا فيها دور مؤثر، لا سيما وقد غلب على معظم خطاباتنا من أن الدين صالح لكل زمان ومكان، فنريد إثبات ذلك بالفعل لا بالقول، وأن نعيد إلى الذهنية الانفتاح والتواصل بدلا من الانغلاق والقطيعة، وأن نرى منهج الاجتهاد والتجديد والتنوير واقعا ملموسا بدلا من الجمود والتقليد والظلامية، وأن نشعر بواقع التعددية في مقابل الأحادية، ومبدأ التوازن والاعتدال في مقابل الغلو والتطرف، وأن نجعل لحرية التعبير والنقد الذاتي والموضوعي واقعا ملموسا في حياتنا المعاصرة.