حرب وبحر وحبر!

السبت - 04 نوفمبر 2017

Sat - 04 Nov 2017

قبل سبع سنوات من قراءتك لهذه السطور، بمدينة جدة وفي أحد مراكز تدريب الطيران يسأل المعلم طلابه المتدربين عن مستقبلهم بالحياة؟ ليكون الجواب المتوقع: الطيران، ثم يليه بسؤال أكثر دقة: وبعد التقاعد؟ فكان جواب مهنا: الطيران حتى الممات، تذكروا هذا الموقف جيدا ولنا له عودة.

ماذا لو أخبرتكم بأن ليس للقصة بداية.. عفوا!

للتو أدرك أن لا نهاية لها أيضا؛ فأبطالها ما زالوا يسطرون أروع الأمثلة بتضحياتهم، وإن رحلوا!

بعد عمل بطولي بميدان الشرف، خرج منه جندي الوطن محمد بإصابة بليغة؛ أعطي على إثرها إجازة تمتد لشهر ونصف، لكن العمل لأجل الوطن هو سبيل الراحة لديه، قطع إجازته وعاد للميدان!

محمد كان يروي لزملائه عن شيخ كبير يزوره في المنام ليخبره عن انتهاء الحرب! وبنهاية ذلك الأسبوع وعلى بعد ألف كيلو متر، كان الأطفال الثلاثة ووالدتهم بانتظار عودة الوالد البطل، لا تكاد الفرحة تسعهم؛ فبعد ساعات من الآن موعد هبوط الطائرة.

اقترب موعد الإقلاع وعلى متن طائرة الخطوط السعودية المتجهة من أبها إلى الرياض.. تصل الطائرة بحمد الله، ولكن الأب لم يصل!

ما لا تعلمه العائلة في تلك اللحظة أن والدهم، وقبل خمس ساعات من موعد الإقلاع، كان في مهمة للدفاع عن الوطن، لم تكن هذه المهمة بموعد مناوبته؛ ولكن ذلك البطل كان يطمئن على زملائه في مواقعهم، وهناك وعلى منفذ علب الحدودي مع اليمن كانت شهادة البطل محمد بن سهل العتيبي، عائلة محمد تذكروا أن والدكم ترك لكم ما تستحقون أن تفخروا به.

وفي نفس العاصمة كان وداع البطل عبدالرحمن لأبنائه وهو في آخر مهمة له، لينتقل بعدها إلى مقر عمله السابق بتبوك، حلم عودة العائلة ولم شملها أصبح قريبا، فبعد أن كان البطل عبدالرحمن من أوائل المشاركين في عاصفة الحزم ها هو يودعهم لآخر مهمة له قبل عودته الأخيرة، وداعا حارا تليه كلمات التوصية التي تتردد على لسانه، وهو خارج من منزله إلى ميدان الشرف، وكله ثقة بأن محمد - أكبر أبنائه - هو «رجل البيت» في غيابه الموقت.

لم تكن هذه آخر مهمة لعبدالرحمن بعاصفة الحزم، بل كانت آخر مهمة وطنية له في حياته، ليختاره الله شهيدا عنده.

شهداء الوطن وإن رحلوا فهم أحياء بيننا، فقبل أكثر من تسعة وثلاثين عاما من اليوم، وفي رحلة روتينية بطائرة إف 15 يقودها الطيار مهنا الهملان، تسقط الطائرة لتكتب الشهادة لمهنا. تأثر زميله الطيار سعد البيز وسمى أول مولود له «مهنا» ليستكمل هذا الابن بقية القصة.

وبعد..! هل تذكرون أول موقف بدأت به القصة؟ نعم، «مهنا» الذي خلف «مهنا»، تحقق حلمه بالطيران؛ ليصبح أول طيار سعودي للطيارة المقاتلة «تايفون» تقصف داعش بسوريا، «قناص الحوثيين» كما - لقبه زملاؤه - فقد كان أول طيار يقصف الحوثيين.

وفي يوم أربعاء مضى، تنطلق طائرة مهنا لتأدية مهمة وطنية بمنطقة «إبين» باليمن، وبعد عطل فني بالطائرة، تسقط طائرة مهنا ويصل الخبر لأهله بأنه قد نجا منها بالقفز بالباراشوت.

وعند الثالثة من فجر ذلك اليوم، كانت الدعوات تزدحم بمواقع التواصل الاجتماعي لخبر استشهاد مهنا البيز بالحادثة السابقة، حينها تسطر تغريدة من أشد تغريدات «تويتر» ألما.. كتب فيها:

«أنا أمه، هل أنتم متأكدون من الخبر؟». لتتأكد الأم في ذلك الوقت بأن ابنها قد أوفى بوعده، فمهنا دافع عن وطنه حتى الممات.

بقي أن أقول بأن أحداث المواقف لم تحدث في الوقت نفسه، ولا حتى في المكان نفسه؛ لكنها على الأرض نفسها، وحبا للوطن.

هنيئا لنا بأبطال صنعوا من تلك الـ(ح ر ب) (ب ح ر) من التضحيات والإقدام، و(ح ب ر) سال ليسطر قصصا من الفخر والاعتزاز.