فيما يروى عن الخوف

السبت - 04 نوفمبر 2017

Sat - 04 Nov 2017

الخوف إحدى مراحل العمى، ولن يفيدك أن تلبس نظارات وتحمل عصا، أو تبحث عن زراعة الشبكية، أنت فقط ستشعر بالبرد ولن ترى شيئا يسير بشكل جيد مهما حاولت أن تنظر له.

أنا أعاني من فوبيا المرتفعات، الموضوع قد يعد طفوليا حين أكون مع أصدقائي، فهم يتلذذون بهذا، كأن يحجزوا لغداء على شرفة فندق، أو يقرروا السفر لمكان تستغرق رحلته ساعات. على العموم إن منظري الخائف يجعلهم يشعرون بشكل جيد، محاولات عدة لتجاوز الأمر مصحوبة بسنين عدة «فوت فيها ما فوت» من وجبات الغداء ورحلات السفر «بدون قطة» لأصل في النهاية لتجاوز هذا.

قد أبدو سخيفا لو أخبرتك أني في اليوم الذي قررت فيه تجاوز الأمر لم أنم بشكل جيد، وقد كنت أدعي أن «فراق المدينة صعب» حين سألوني ونحن في الطريق للمطار «أيش فيك على الصامت؟» كنت أنظر للناس وكأني أودعهم، أتمنى أن تحدث قارعة تكون عذرا جيدا لأنسحب من هذا الأزمة التي ورطت نفسي بها، كل الذي قرأته وكل التدوينات التي تشرح الخوف وأساليب التفوق عليه تبخرت، نسيت أمورا قررت أن أبقيها في ذهني كـ«ماذا سيحصل»؟ وأن الموت سيأتيك كـ«إرهابي قرر أنك طريق للجنة»، أو «سائق أقسم أن يدخل الدوار دون أن ينظر ليساره»، أو نقاش مع شخص لا يفرق بين الفكرة والتطبيق، الوصول لمقعدك وربط حزام الأمان بعد أن هددك قائد الطائرة أنه سيقتلك إن لم تفعل، هذا أمر مرعب جدا، حسنا هو لم يهددني أنا كنت مطيعا جدا بسبب أن «فراق المدينة صعب!».

ما حدث بعد هذا أن الخوف تلاشى حين اعتدلنا في السماء بل إني بدأت أتمرد على من كنت مطيعا لهم، ولم أعد أشعر بالبرد الذي كنت أخبرهم بسببه أن التكييف بداخل الطائرة مبالغ فيه، وصلنا للأرض كأول مرة لي بعد أعوام من الصراع مع الخوف والتشاؤم من سقوط الطائرات والمباني العالية، بل وزادت رغبتي في الرجوع للطائرة أكثر من رغبتي في الرجوع لمدينتي.

سأخبرك الآن أن المملكة تتغير بسرعة، وهذا لا أراه إلا فرصة للحاق بدول تجاوزتنا بمراحل خفنا فيها التقدم بحجج ستتلاشى عند الوصول لاعتدال التغير أو منتصف الطريق. بعض مجتمعنا يعاني من فوبيا التغير ويجب الرد عليهم بالمنطق والعقل لا بالتظاهر أنهم غير موجودين، فمثل هذا التظاهر سيجعلهم مطيعين وهم يشعرون بالبرد ويدعون أن فراق الحياة المعتادة مرهق.

الخائفون كثر ولا علاج لهم سوى بجعلهم يرون الواقع، ليفهموا بأنفسهم أن ما يحدث في بلادنا في هذا الوقت هو ما كنا نأمله، وأن الاعتماد على البترول والقضاء على التضخم ومشاكل الإسكان والتفريط بالطاقة المدعومة وغيرها أمور تحتاج حلولا، ومن هو سعيد بما يحدث ليس «مطبلا» بقدر ما هو لا يلبس النظارات، ولا يحتاج عملية في عينيه بل أصبح لا يخاف المستقبل أو التغيير، وتخلى عن الخوف الذي لا مبرر له، فالبعض ممن لا يعيشون معنا يتلذذون برؤيتنا خائفين، لأنهم يعرفون العلاقة التي بين البرد والعمى مع الخوف.