مرزوق تنباك

تقصير المسؤولين عن التنمية الاجتماعية

الثلاثاء - 31 أكتوبر 2017

Tue - 31 Oct 2017

يلاحظ في «التواصل الاجتماعي» - كما يسمونه - ظاهرة جديدة لم تكن معروفة من قبل، تلك هي ما تنشره هذه الوسائل من حالات مؤلمة لمرضى لا يجدون علاجا كما يقولون، وفقراء تعجز مواردهم عن الكفاف الذي يقيهم مذلة السؤال، وتدعو تلك الإعلانات لمساعدة هؤلاء والفزعة لهم، وبعضها بصوت صاحب الحاجة وصورته وهو يعرض مأساته، ويبحث عمن يستطيع الفزعة له والعون لما هو فيه، ظاهرة لم تكن موجودة من قبل عندما كان الفقر والشح هما الغالب على المجتمع، أو أن وسائلهما لم تكن متاحة في الماضي على أي حال.

الفزعة وطلب العون عمل حسن، وفضيلة إنسانية يحتاجها الناس، وتعبر عن مروءة وشهامة وجهد مشكور، ولا سيما نجدة ذوي الحاجة، والعون لهم في حاجاتهم وما ينغص حياتهم، والقادرون هم أهل الفضل الذين يسارعون لنداء الضعفاء والمحتاجين ومن لا يستطيع أن يقوم بحاجاته. كانت ظروف الفزعة الفردية في ذلك المجتمع محدودة وقليلة ومقبولة بين الناس، ذلك المجتمع انتهى وجاء مجتمع المدينة الكبيرة المختلط من جميع الجهات والتوجهات، الفقير والغني والضعيف والقوي، المجتمع الجديد تختلف تركيبته عن ذلك المجتمع الصغير الذي كانت تحتضنه القرية أو المدينة المتوسطة والذي يحن إليه كبار السن ويتمثلون ببراءته ونقائه، وما يصفونه به من التراحم والتعاون والتآزر، كل منهم يعرف جاره وحاله، لكن كل شيء تغير، لم يعد الجار يعرف ما حوله من الناس، ولا يعرف حاجاتهم، وهذا ما حدث في العالم كله، حيث تحول الناس إلى المدن من القرى والأرياف، وأصبح كل يعمل سحابة يومه لسد حاجات نفسه وأهله، ومشغولا عن غيره، ولم يعدم المجتمع الجديد حيلة في البحث عن طريق يضمن بها الرعاية والكفالة لمن عثرت به الأيام وأعوزته الوسائل واحتاج إلى العون والمساعدة في أمر أو آخر.

نجح العالم في سن قوانين الخدمة الاجتماعية تحت نظر الدولة ومسؤولياتها، وكانت هي ملجأ المعوزين وأهل الحاجات، ولم تكتف بذلك بل جعلت في كل حي من أحياء المدينة عددا من الموظفين في الخدمة الاجتماعية، مهمة هؤلاء هي البحث عن الحالات الخاصة التي قد تمنعها أسباب كثيرة عن الوصول إلى من يساعدهم إذا اقتضى الأمر تلك المساعدة، فلا يحتاج الفقير أو المريض الفزعة من أحد، لكن الباحث الاجتماعي - أو الباحثة الاجتماعية - يصل إليه ويعرف حاجته ويقوم بخدمته دون أن تضطره الظروف إلى عرض بؤسه على الأشهاد، كما يحصل في بعض الأحيان عندنا.

في المملكة توجد رعاية تامة للفقراء، وعلاج مجاني للمرضى، وهذا يعرف الجميع الطريق إليه، ولكن هناك لا شك حالات كثيرة لا تستطيع حتى الوصول إلى الطريق المعروف كالمرض المقعد عن الحركة، والجهل بوسائل الاتصال بمن يقدم الخدمات لهم، وهناك البعد عن أماكن تقديم الخدمة المتاحة في المدن خاصة، ذلك أن المملكة قارة مترامية الأطراف متسعة الأرجاء، وليس من السهل انتقال الناس إلى المدن حيث تتوفر الخدمات.

وهنا تقصير لا شك فيه من وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، وموطن التقصير أن الوزارة لم تقم بما كان يجب عليها القيام به، وأقله تعيين باحثين اجتماعيين وباحثات اجتماعيات يكلفون بالبحث عن المعوزين والوصول إليهم، وتقديم المساعدة التي يحتاجونها، وهذا ما تفعله الدول، وتقوم به جمعيات النفع العام، حيث لا تترك الضعيف لفقره وضعفه ولا البحث عمن يتطوع لمساعدته، لكنها هي التي تصل إليه وتقدم الخدمة التي يحتاجها. كل صوت أو حالة تعرضها وسائل التواصل الاجتماعي لطلب المساعدة يجب أن يحاسب المسؤولون بالوزارة عنها، وكل تقصير في مساعدة أهل الحاجات إذا صحت دعواهم وحاجتهم يجب أن تحاسب عليه أيضا.

tenback@