شهر بلا هاتف ذكي

الاثنين - 30 أكتوبر 2017

Mon - 30 Oct 2017

التجربة: قررت أن أستغني عن هاتفي الذكي (آيفون) لمدة شهر كامل واستبداله بالجوال العادي الذي كنا نستخدمه قبل عشر سنوات من الجيل الثاني (2G)، فلا برامج ولا انترنت، فقط استقبال وإرسال المكالمات والرسائل النصية (SMS). أما البرامج المتعلقة بالتواصل الاجتماعي والانترنت فيمكنني الدخول إليها عن طريق جهاز الحاسب، متى ما سنحت الفرصة.

الأسباب: لاحظت أني - كغيري من مستخدمي الهواتف الذكية - تعلقت بهذا الجهاز السحري، فلا يمكنني الاستغناء عنه أبدا، لا أستغني عنه في المجالس ولا في الاجتماعات والمناسبات، فهو معي أينما أكون، وعيني لا تغيب عنه أكثر من 10 دقائق، تعلقت به حتى وصلت لمرحلة لم يعد لي الوقت للتأمل والتفكر، فكلما شعرت بفراغ بسيط، أشغلت نفسي بهذا الجهاز الذي بين يدي.

ولاحظت أيضا أني أصبحت أنسى أكثر من أي وقت مضى، فالمواعيد الضرورية التي لا تدون في جهازي أصبح الصبح ناسيها، وكذلك كثير من المواقف والأحداث المهمة كلها تنسى؛ بسبب انشغال عقلي الصغير بأخبار هامشية ونقاشات عديمة الفائدة متناولة في برامج هذا الجهاز الذكي. ومما لاحظته أيضا، الشعور بالملل بشكل سريع من الحياة الحقيقية، فما إن شعرت به حتى أخرجت هذا الجهاز الصغير ليدخلني إلى عالم افتراضي لا يمل، ولذلك قررت أن أخوض هذه التجربة.

النتائج: في بداية الأمر، شعرت بفقدان شيء أساسي من حياتي فأصبحت كالمشلول عن التحرك بدونه، فكل نصف ساعة أدخل يدي في جيبي باحثا عن أنيسي، لأنصدم بالواقع أن في جيبي أداة أصبحت من الزمن القديم لا تلبي احتياجاتي. كان شعورا صعبا وغريبا، ولكن مع مرور الأيام لاحظت أشياء جميلة كنت قد افتقدتها العشر السنوات الماضية.

فإنتاجيتي في العمل زادت لخلو يوم عملي من أهم الملهيات في العصر الحالي. ومع هذه التجربة، أصبحت لا تشغلني من أخبار العالم إلا القليل المهم، لا القضايا الهامشية والتافهة. وبدون الجهاز الذكي، أصبح حديثي مع جلاسي أكثر من السابق، وأعرف أخبار أصدقائي الحقيقيين أكثر ممن أتابع من الوهميين. وفهمت لماذا يغضب البعض من وجود الهواتف بين أيدي الناس في المجالس، فكم هو شعور قبيح أن ترى من يجلس معك ينشغل عنك بمشاهدة صور أو مراسلات لا قيمة لها، فتحس بقلة الاحترام. ومما أدهشتني به النتائج هذا الشعور الجميل بالخلوة مع النفس ومراجعتها والتأمل والتفكر، فيا الله كم هو جميل هذا الشعور وضروري. شعور افتقدته لدرجة أني استغربته ويصعب علي شرحه.

رغم قلة ما فقدته بفقدان الجهاز الذكي، إلا أنها ضرورية فلقد فقدت المعلومة السريعة التي بين اليدين، والبحث عن الأماكن وترتيب جدول الأعمال في جهازي، وسهولة إنجاز أعمالي في أي وقت ومكان.

الخلاصة: إن الجهاز الذكي من أساسيات عصرنا هذا، وهو وسيلة لتسهيل الحياة، ولكن كما يقال في المثل الشعبي «كل شيء إن زاد عن حده انقلب ضده»، فالاتزان في استخدامه هو الأمثل، ولا يجب أن نقتني الجهاز الذكي لنصبح نحن أقل ذكاء وأبعد عن الواقع.

قفلة: بعد التجربة اتضح لي أن الحياة جميلة وتدعو إلى التفاؤل، وأن العالم أوسع من جهاز يحمل في اليد، وأن الدنيا ولله الحمد لا تزال بخير.

@RMRasheed