أحمد الهلالي

حشرجات صحوية مشفرة!

الاحد - 29 أكتوبر 2017

Sun - 29 Oct 2017

رسالة على (الواتس اب) تحمل اسم شيخ لا أعرفه، ولأن الرسائل المزورة تكثر في هذه الأوقات فلن أذكر الاسم، فلا أجزم بصحة النسبة، ولا أعرف الرجل، لكن توقيتها جاء بعد خطاب سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في تدشين مدينة (نيوم)، الرسالة تحمل عنوان (حقيقة الصحوة)، واستعراض قوتها ونشاطها، بذكر رموزها المعروفين وعدد متابعيهم، وقوة انتشارهم وتصديهم لكل فكر يناوئ فكرهم، وهي رسالة طويلة ربما تزيد عن 500 كلمة.

ما لفتني في الرسالة أنها تربط الثوابت الدينية بالصحوة، وتلبس على الناس بأن رموز الصحوة تصدوا لأمور أكبر من مواقفهم الصلبة من القضايا الخلافية المعروفة، وتصورهم بمجددي الدين منذ سقوط الدولة العثمانية، وأنهم كانوا قاب قوسين أو أدنى من تحرير الأقصى، ولم تذكر الرسالة اسما واحدا من هيئة كبار العلماء لا الأحياء ولا الميتين، واستغرقت في تصوير توافد الناس على الحرم المكي الشريف حجا وعمرة، وادعاء أنه من ثمار الصحوة المزعومة.

هذه الرسالة وأمثالها والمناورات الهزيلة لم تعد تنطلي على الناس، فقد تجاوز الوعي الاجتماعي هذا النوع من الخطابات، وتسلح المشايخ المعتدلون بالشجاعة مؤخرا، وبينوا للناس القضايا الخلافية، والفسحة الشرعية في الإتيان أو الترك، فلن تكون هذه الرسالة وغيرها إلا حشرجات الصحويين، فما يزالون يحاولون إيهام الناس بصحة ما يطرحون، ويحرصون تمام الحرص على نفي كل شبهة (تطرف/ أو طموحات سياسية)، لكن أدبياتهم تجهر بما يضمرون.

والمفارقة أن الرسالة تتحدث عن أمريكا، وعن القومية العربية، وعن علماء الغرب التطبيقيين وفلاسفته، وعن قضائها على الحداثة، وكيف صرفت الصحوة أنظار الناس عنهم إلى نشيد (مسلمون مسلمون) وكيف لم يستطع إلا 3 من 30 شخصا التعرف على صورة زعيم عربي، لكنهم (جميعا) تعرفوا على صورة الشيخ الموازية، ولم يغب عن منشئ الرسالة التطرق لأسماء كتاب ومفكرين سعوديين مع فريدمان ولاكروا باعتبارهم (أعداء) الصحوة والدين.

آخر ما تحدثت عنه الرسالة، أمر النشر «(انشروها)، تبشيرا للأمة، وتخفيفا من الإحباط». فلا يخفى الإيحاء والخطاب المبطن في هذا الأمر، لأن التوقيت بعد تصريحات ولي العهد المؤلمة للمتطرفين، وهذه الرسالة (الحركية) هي الشفرة السرية للمحافظة على تماسك الأتباع ومناصرتهم، والإصرار على موقف الاتهام لكل تغيير وتجديد وطني وقف الصحويون حجر عثرة وعقبة كؤود في طريقه.

ما زال الصحويون يظنون المجتمع رهن أفكارهم، ويظنون أنهم قناة التلقي الوحيدة لأتباعهم (المزعومين)، لكن الرهان الحقيقي للوطن هو على قيادته الحكيمة التي قرأت (الإرادة الشعبية القوية) فآزرتها بـ (الإرادة السياسية القوية) للتغيير، فهاتان الإرادتان هما جناحا التحليق الفاعل في منطقة الفعل العالمية، كما أعلنها ولي العهد (وفقه الله).

ahmad_helali@