عبدالله الجنيد

معرض‭ ‬ومؤتمر‭ ‬البحرين‭ ‬الدولي‭ ‬للدفاع

الثلاثاء - 24 أكتوبر 2017

Tue - 24 Oct 2017

نجاح هذا الحدث في نسخته الأولى هو مصدر فخر لكل من عمل عليه، إلا أنها المرة الأولى التي تضطلع فيها مؤسسة بحثية بتسنم موقع القيادة في حدث مماثل على مستوى المنطقة والعالم العربي. وهنا أنا أتحدث عن مركز دراسات (مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة). وليس القصد هنا القفز على ما قدمته الجهات ذات الصلة أو ما مثله المحتوى الخليجي ضمن ما عرض من تكنولوجيا وسلاح، والذي يعد مفخرة للزائر الخليجي، خصوصا ما عرضته الشركات السعودية والإماراتية، إلا أن مؤتمر التحالفات العسكرية في الشرق الأوسط المصاحب لهذا الحدث استحق أن يكون حدثا منفردا لما أضاف من بعد آخر للحدث والقيمة المضافة له.

قيادة «دراسات» لهذا الحدث تمثل نقلة طال انتظارها في ثقافة الدولة، حيث تضطلع فيه مثل هذه المراكز بأدوار أكثر حيوية في صناعة وإدارة الشأن الوطني، لذلك جاءت الأوراق المقدمة من المشاركين في المؤتمر متماهية من حيث الأفكار والمضامين مع طموحات صاحب السعادة الشيخ الدكتور عبدالله بن أحمد آل خليفة رئيس مجلس الأمناء وفريق عمله الاستثنائي، فبعض ما قدم من أوراق استحق جلسات خاصة بها لما مثلته من أهمية، ومن الصعوبة بمكان إدراج جميعها، ولكن سأمر على بعضها لما لها من أهمية خاصة.

الجنرال ويزلي كلارك، قائد قوات الناتو سابقا.. تناول في ورقته فحوى التحالفات من منظورها القانوني الملزم لجميع أطراف التحالف في كل الأحوال حتى وإن تجاوز ذلك الجغرافيا الحاكمة في النصوص لخدمة أهداف جيواستراتيجية مثل محاربة الإرهاب وإعادة الاستقرار في دولة مثل أفغانستان.

وأفغانستان ليست المثال الوحيد، فقد سبق للحلف التدخل في أزمة البلقان تحت دواع إنسانية لما مثلته تلك الأزمة من تحد لاستقرار أوروبا بعد انهيار المعسكر الشرقي. كذلك كانت مساهمة دول الحلف في محاربة القرصنة في القرن الأفريقي وفي التحالف الدولي ضد داعش.

يظهر من كل ما قدمه الجنرال كلارك أن بعض التحديات تفرض على بعض الأحلاف التحول Evolve بما يتناسب وتلك التحديات في المشهد الدولي. من هنا نستشف أن المبادئ القانونية التي تقوم عليها تلك التحالفات قد تتعارض وتشريعات بعض الدول كما حدث في الموقف الألماني من التدخل في البلقان لتعارض ذلك ومواد الدستور الألماني الذي يحظر الانخراط في عمل عسكري ذي طابع غير دفاعي، لكن المشرعين الألمان اضطروا لتعديلها لتعارضها والمصلحة الأوروبية المشتركة، ونزولا عند التزامها لحلفائها في الناتو.

كذلك فعلت اليابان تدريجيا على تعديل مواد دستورها لتضطلع بمسؤوليات أكبر في أمن منطقة الجرف الباسيفيكي يكون أكثر تناسبا ومكانتها الاقتصادية والسياسية. الأحلاف العسكرية مثل الناتو أو الانزو ـ وفي الحالة العربية التحالف العربي لإعادة الشرعية في اليمن ـ تضطلع بأكثر من المهام العسكرية في أوقات السلم، وأولها ضمانة الاستقرار والأمن أو في أعمال الإغاثة حال وقوع كوارث إنسانية.

أفغانستان مثال آخر على جهود حلف الناتو الأهم في تاريخه الحديث بالنسبة لي شخصيا، فالناتو يضطلع بما هو أكبر من محاربة الإرهاب هناك، بل الانخراط في برامج تنموية وفي إعادة تأهيل كافة مؤسسات الدولة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن لدولة الإمارات برنامجا مستقلا ويماثل ذلك في أفغانستان، ويجب دراسة التجربة الإماراتية لما تمثله من أهمية في التوظيف العسكري خارجيا في إدارة الأزمات أو الكوارث الإنسانية.

الورقة الثانية التي استوقفتني كانت للفريق عبدالإله بن عثمان الصالح، القائم بأعمال الأمين العام للتحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب. اجتمعت في هذا الرجل ثلاثة أبعاد، عسكرية، وعلمية، وأدبية، لذلك عندما تناول ظاهرة الإرهاب فإنه توجه إلى الفراغ الثقافي الذي مهد له الانتشار في فضاءات لم تمتلك المضادات الطبيعية المقاومة له، وذلك تحديدا ما خلصت إليه كافة الآراء خلال فترة عدم الاستقرار التي شهدها العالم العربي تحديدا، فقد وجد ذلك الفكر حواضن جاهزة لتراجع الثقافة الوطنية أو التنمية الاجتماعية أو كليهما معا، لذلك أوصى الفريق الصالح «بضرورة مطالبة الدولة والمجتمع Claim Back حقهما في تلك الحواضن التي يمثل بقاؤها خارج إطار ثقافة وطنية جامعة خطرا قابلا للاستدامة».

الورقة الأخيرة كانت لقائد سلاح الجو الملكي البحريني اللواء طيار الركن الشيخ حمد بن عبدالله آل خليفة، والتي تناولت التكافؤ النوعي بين الدول الأعضاء في الحلف العسكري. والتكافؤ هنا أساسي لإنجاح أي جهد عسكري قد يضطلع به الحلف، فالبنى التحتية والاتصالات بالإضافة لمنظومات القتال حينما تتفاوت من حيث الكفاءة فإنها ستضعف من قدرات أي حلف في تحقيق الأهداف في أي عمل عسكري أو جهد إنساني، أو قد ترفع من اعتماد بعض أعضائه على الدولة القائدة في ذلك الحلف، لذلك نجد أن الدول الأوروبية قد أعادت رفع نسبة موازناتها العسكرية لمواجهات التحديات القائمة في القرم والبلطيق، وكذلك لمواجهة مسؤولياتها في محاربة الإرهاب أسوة بالحليف الأكبر الولايات المتحدة الأمريكية. شخصيا سأؤجل الحديث عن تركيبة التحالف العربي لإعادة الشرعية في اليمن، أو التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب من جانبيهما السياسي والعسكري الآن، مع أن ذلك أمر يستوجب التناول.

عند سؤالي سعادة الشيخ الدكتور عبدالله بن أحمد آل خليفة رئيس مجلس أمناء «دراسات» ووكيل وزارة الخارجية لمملكة البحرين «أن هذا النجاح بالتأكيد سيضعكم أمام تحد في نسخته القادمة عام 2019»؟». سوف أحتفظ بالإجابة لنفسي لثقتنا في أن النسخة القادمة ستكون بالمستوى الذي تطمح إليه البحرين لأنه في يد أمينة.

أخيرا، أتمنى أن تحول تلك الأوراق لحلقات نقاشية تتبناها وزارة الإعلام في مملكة البحرين.

aj_jobs@