لسنا يابانيين

الاثنين - 23 أكتوبر 2017

Mon - 23 Oct 2017

إننا وبطابع حبنا للمقارنة دائما ما نقارن أنفسنا بالغرب والشرق على أنهما أفضل منا حالا وأصلح منا وضعا وأكثر منا تقدما. فنأتي بخبر وزير كوري قدم استقالته بسبب خطأ في مؤسسته ونتغنى به، ونقول: ليت عندنا مثله فهذا سبب لتقدمهم، ثم نأتي بتاجر أمريكي يعرض ثروته لخدمة قضية معينة ونقول: ما أكرمهم لخدمة الإنسانية أين تجارنا من هذا الرجل الذي تحلى بخلق نحن أحق به منه. كل هذه المقارنات يراها البعض أنها جلد للذات، ولكن هل هي فعلا جلد للذات؟

إن من يجلد المسؤول العربي بمقارنته بالمسؤول الكوري ليس مسؤولا فلذلك هذا لم يكن جلدا للذات بقدر ما هو جلد للمسؤول العربي بشكل عام، والمتغني بالتاجر الغربي ما هو إلا ممتعض من التاجر العربي، فالانتقاد هنا ليس انتقادا للذات إنما هو انتقاد فئة من المجتمع لا ننتمي لها. إن هذه المقارنات التي نكثر من استخدامها جعلتني أفكر في نتائجها والهدف منها. هل مقارناتنا عادلة وصحيحة؟ وما هي الدوافع خلف هذه المقارنات التي تتصدر آراءنا ومقالاتنا في الصحف؟

يبدو لي أن قناعة كثير من الناس أن أي مسؤول في الخدمة العامة إما فاسد أو قليل الكفاءة ما لم يثبت العكس. فما إن يتول المسؤولية حتى نتصيد الأخطاء وإن حدث الخطأ، نطلب منه أن يكون كوريا أو يابانيا ليقدم استقالته. وفي الحقيقة، ننسى أننا أصلا لم نكن كوريين أو يابانيين في ظننا به وسعينا في إنجاحه. إن الخطأ وارد، ومن لم يخطئ فهو بالتأكيد لم يعمل. فالروح والقناعات التي نتبناها نحن المخدومين وأصحاب الرأي تحبط من يريد العمل فتراه دائما في خوف من الخطأ ومن ردات الفعل التي نقسو فيها، فيتجه إلى الركود بدلا من العمل. إننا في هذا السعي الحثيث عن البحث عن الأخطاء نهدف ونتمنى أن يعاقب المخطئ أو يعفى من مسؤوليته وكأنها غاية بحد ذاتها، وننسى أن الغاية أن نصحح الخطأ بدلا من معاقبة المخطئ.

أما نظرة الكثير منا للتاجر العربي فهي أنه جشع ومادي وأناني ومستغل لخيرات البلد لصالحه، إلا إن أثبت العكس وهذا ما يصعب إثباته. فمهما قدم للوطن وخدمة للمواطنين فهو يقدمه لمآرب أخرى غير حبه لوطنه. فترانا نسعد إن قرأنا خبر خسائر التاجر الفلاني، أو تغريم أحد رجال الأعمال، دون أن نعرف الأسباب وتفاصيل الأخبار. المهم أننا نسعد بالعقوبة وكأنها هي الغاية وننسى أن العقاب وجد كوسيلة للردع وليس غاية للتشفي.

إن مقارناتنا مع الغرب والشرق مقارنة من زاوية واحدة فقط، فتجدنا نقارن المسؤولين والتجار ولا نقارن العاملين وأصحاب الرأي. لذلك أرى أننا بدلا من جلد الآخرين من المجتمع ومقارنتهم بالآخرين، نبدأ بمراجعة النفس وتصويبها فـ «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم».

علينا بحسن الظن بالآخرين لتسود الإنتاجية والثقة والتقدم، وعلينا بالابتعاد عن التشفي والشماتة فهما صفة غير محمودة، فلم ترد في سيرة نبينا الأعظم صلى الله عليه وسلم أنه تشفى من مشرك أو تشمت بعدو رغم ما عانى منهم، بل حتى إنه عفا عنهم بقولته المشهورة صلى الله عليه وسلم «اذهبوا فأنتم الطلقاء». فأين نحن من هذا الخلق العظيم؟

قفلة: بما أننا نقارن أنفسنا باليابانيين، أنقل لكم هذا المثل الياباني اللطيف: «النجار السيئ دائما يلوم أدواته».

@RMRasheed