الفقيه وحامل الفقه!

السبت - 21 أكتوبر 2017

Sat - 21 Oct 2017

لم يحتجْ معاصرو حقبة النبي من الأصحاب والتابعين إلى شرح مكثف لنصوص الشريعة التي استقوها من النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، نظرا لسليقتهم والجبلة التي فطروا عليها من فهم للمفردات والمقاصد، فلم يحتاجوا لكثير بيان وتوضيح، فهم نصوصيون بامتياز نظرا لفهمهم وإدراكهم للأشياء، وعندما طال العهد برسول الله وكثر اختلاط العرب والعجم وافتقاد الأهلية الكافية لفهم النصوص وكثر جهل المستعربين لدلالات معاني الكلمات كان لزاما خروج من يتولى زمام إيضاح ما خفي وجهل.

فكان عصر الفقهاء الذين خاضوا غمار إيضاح المقاصد والمعاني من فحوى النصوص، فاحتاج لهم الناس كثيرا وكثرت التساؤلات وزادت الإيضاحات، وانطلقوا من فهمهم للمقاصد بالتحليل والتحريم، فتخلوا عن الصفة التي كان يتمتع بها عصر الأوائل من فهم سريع للنصوص نظرا للهبة الربانية التي اختصهم الله بها، فتخلى من جاء بعدهم عنها واضطروا إلى ابتكار علوم تمكنهم من ضبط فهم النصوص.

ونبغ كثير من الفقهاء في مجال الفقه وانطلقوا يؤصلون المسائل من تمعنهم في مقاصد الشريعة الغراء، ولماذا تحرم أمرا ما وتحلله تارة أخرى، فالله سبحانه لم يحرم أمرا ما لمجرد التحريم وهو الغفور الرحيم اللطيف بعباده، فالتحليل والتحريم يكونان دائما مشتقين من الضرر والنفع، فما كان فيه منفعة مرجوة ظاهرة جلية لن يتوانى الشارع عن إباحته، وما كان ضرره بين واضح لن يتوانى الله في تحريمه.

ومن طرائق التفكير والبحث المفقودة اليوم هم الفقهاء الذين يبحثون عن دلالات التحريم والإباحة ومقاصد الشريعة ومرادها. وفي الفترة السالفة ظهر على السطح من يزعم أنه فقيه، وهو لا يتجاوز كونه حاملا للفقه، يحفظ النصوص عن ظهر قلب، ويرددها بكل إجادة دون نقص كلمة أو حرف، لكنه يفتقد لأهلية الفهم والاستنباط والمعرفة بالمقاصد والحكم.

فحبذا لو يتبنى المسؤولون عن التعليم مدرسة الفقه كما كانت في سالف الزمان تعتمد كليا على البحث والتفكر في النصوص وتبتعد عن التركيز في مجال الحفظ الذي لن يثري التعليم بجديد سوى إعادة أقوال لرجال لم يعاصروا العصر الذي نعيش فيه وكانت لهم أسبابهم في إطلاق الأحكام.