تأملات في التوزيع السكاني بالمملكة

السبت - 21 أكتوبر 2017

Sat - 21 Oct 2017

نشرت الهيئة العامة للإحصاء قبل أسابيع تقريرا حول التوزيع السكاني في مناطق المملكة، حيث تصدرت منطقة مكة المكرمة القائمة بنحو 8.3 ملايين نسمة، تلتها منطقة الرياض بنحو 8 ملايين، ثم المنطقة الشرقية بـ 4.8 ملايين نسمة، ما يعني أن نحو 60% من سكان المملكة يعيشون في 20% منها، وهذا يظهر السمة الغالبة للخريطة السكانية في المملكة وهي تركز السكان الواضح في مناطق ومدن محدودة دون البقية، وهذا التركز يتدرج من الغرب إلى الشرق مرورا بالوسط ما يظهر ميل السكان نحو سكنى السهول حيث تتوافر فيها الظروف الطبيعية الملائمة للإنتاج لتشكل ما يعرف بالأحزمة السكانية وهي على النحو الآتي:

(أ) الحزام الغربي: وهو الحزام الممتد على ساحل البحر الأحمر ويحتوي على الخصائص التالية:

1. الأماكن الدينية.

2. أكبر ميناء في المملكة (ميناء جدة الإسلامي).

3. اعتدال الجو في المرتفعات.

4. به عدد من المدن الكبيرة والمتوسطة.

5. الأهمية التجارية والاقتصادية والسياحية.

(ب) الحزام الأوسط: وهو الحزام الممتد في وسط المملكة ويحتوي على الخصائص التالية:

1. يضم العاصمة الرياض أكبر مدن المملكة وهي الحاضرة الوحيدة في هذا الحزام.

2. الأهمية الإدارية والسياسية والتجارية.

3. تركز الأراضي الزراعية.

4. الأجواء الحارة في غالب أيام السنة.

(ج) الحزام الشرقي: وهو الحزام الممتد على ساحل الخليج العربي، أو ما يعرف اليوم بالمنطقة الشرقية، ويحتوي على الخصائص التالية:

1. الأهمية الإنتاجية والصناعية والتجارية.

2. ثاني أكبر ميناء في المملكة (ميناء الملك عبدالعزيز بالدمام).

3. توافر الأراضي الزراعية.

مما سبق يتضح أن الحزام الشمالي والحزام الجنوبي هما أقل الأحزمة السكانية من حيث تواجد السكان، مع أنهما يحتويان على أغلب الخصائص التي تتمتع بها الأحزمة الأخرى، بل وربما يتفوقان عليها في بعضها، وهذا يبرز أهمية تطوير المدن الموجودة في هذين الحزامين وتحسين مستوى الخدمات فيهما لتخفيف الضغط على حواضر المملكة الكبرى (حاضرة مكة المكرمة وجدة - حاضرة الرياض - حاضرة الدمام)، بالإضافة إلى استحداث ضواحي جديدة مكتملة الخدمات داخل هذه الحواضر، فلا شك أن بناء مدينة كبيرة بحجم الرياض في قلب الصحراء هو إنجاز يشبه الإعجاز، لكن التحدي الأبرز هو استدامة توفر جميع الخدمات وخاصة المياه المحلاة، فكلنا نعرف التكلفة الباهظة لنقل المياه من الخليج العربي إلى الرياض (أكثر من 350 كلم)، وتزداد مع الزيادة في عدد السكان.

لهذا بات من الواضح في ظني إعادة النظر في التوزيع السكاني للمملكة من خلال الأخذ بتجارب الدول التي لها باع طويل في هذا الشأن وإيجاد خطة وطنية للتنمية الحضرية والريفية لإضفاء حالة من التوازن بين المدينة والمحافظة على الأقل في مستوى الخدمات الأساسية واللوجستية وتدارك الوضع قبل أن نصل إلى حالة الانفجار السكاني في الحواضر، وعندئذ تتعقد الحلول ويصبح الوضع متأزما.