تدريب أم تعجيز؟!

الجمعة - 20 أكتوبر 2017

Fri - 20 Oct 2017

إن فكرة أخذ جهة حكومية مبلغا من المتدرب يصل إلى 25 ألف ريال سعودي، لهي أمر يمهد الطريق أمام أي جهة بأخذ مبالغ مالية خيالية من المتدرب لديها وإيجاد مبررات لاستغلاله، بغض النظر عن أن المتدرب في الأصل يقوم بإنجاز أعمال إلى هذه الجهة ويغطي احتياجاتها إلى جوار إثراء خبراته ومعرفته.

وهذا ما توجه إليه بالفعل أحد المراكز العمومية، والذي طرح برنامجا يتعهد فيه بتدريب الحاصلين على شهادة عليا في أحد التخصصات النادرة ومهنه الناشئة في البلد، بمقابل مالي ضخم!

وحين نلقي نظرة على البرنامج المطروح نجد أولا أنه يستهدف حاملي شهادات البكالوريوس والماجستير، هؤلاء الذين قد تشبعوا من الناحية النظرية واكتفوا؛ فالمتدرب إذا كان حاملا لشهادة عليا فهو لا يريد مزيدا من الدورات والمحاضرات، إنما يريد من الجهة إغراقه في سوق العمل مباشرة وتوجيهه وإعطاءه المساحة الكافية لإثبات ذاته واختبار معرفته بنفسه، والحصول على إعجاب الجهة واستحسانها، فضلا عن أن هذا هو الأساس الذي يقوم عليه التدريب في كافة التخصصات.

ثانيا فإن البرنامج الذي يلزم المتدرب الانتقال إلى مركز التدريب، هو برنامج يحمل المتدرب أعباء اقتصادية وسكنية ومعيشية، إلى جوار حاجته الشديدة وفرصته القليلة في الحصول على تدريب بتخصصه النادر، لا سيما حاجة النساء، وهذا ينطوي على استغلال صارخ للحاجات الاجتماعية والاقتصادية وسير العملية النهضوية في البلاد.

أما عن المبلغ الضخم الذي يلتزم المتدرب بتسديده إلى جهة التدريب العمومية الذي يفترض بها دراسة مثل هذه البرامج بعمق أكبر! فإنه لا يوجد أي مسوغ يسمح لأي جهة بفرض مثل هذه الرسوم سوى استغلال حاجة أبناء البلد، وتحميلهم فوق طاقاتهم لا سيما أن أكثر من يبحث عن التدريب هم الخريجون والخريجات الجدد.

على أننا نجد أن الخريجين على تنوع تخصصاتهم يحصلون في كثير من الأحايين على جهة حكومية كانت أو خاصة؛ لتدريبهم برواتب أو مكافآت، بالإضافة إلى بدلات السكن لمن كان من خارج المنطقة، وهذا ما لا يحصل لطالب يعامل منذ تخرجه وبحثه عن مكان «أي مكان للتدريب» على أنه وريث مال قارون!

نتساءل أخيرا ما إذا كانت مثل هذه البرامج قد وضعت بطريقة منطقية وواضحة؟!

نستطيع أن نستنتج بأنها قد وضعت بصورة تعجيزية تتخطى القيم، وتتخطى الهدف الأساسي وهو حماية المتدرب من استغلال أرباب العمل، وتتجاوز ما هو منطقي، ولا يعبأ واضعوها بتغطية حاجات المجتمع، ولم تنطو على دراسة دقيقة وفاحصة فهي لم تأت بشيء مختلف.. فمن الناحية النظرية قد تولت ذلك سنوات البكالوريوس والماجستير. ومن ناحية التطبيق قد تتولى ذلك بعض الجهات الخاصة حين لا تستغل جهد المتدرب ولا تبخسه حقه أو تفرض عليه رسوم تدريب، وقد شهدنا على بعض الجهات أنها تصرف للمتدرب مكافأة، وجهات أخرى تسمح له بالتسويق لنفسه؛ لكن الجهات الخاصة «التي تسير بشكل أخلاقي» ما زالت لا تستطيع تغطية الاحتياج وتدريب أعداد كبيرة من الخريجين والخريجات؛ وذلك بسبب أن بعض المهن هي بدورها ما زالت ناشئة.

فهل سيفكر واضعو مثل هذه البرامج بهذه القضية على العموم، وفقدان مسوغات المبالغ الضخمة على الخصوص؟!

الأكثر قراءة

جميلة عادل فته

رجال الأمن.. رجال