فيصل الشمري

نحو شراكة استراتيجية جديدة مع الولايات المتحدة الأمريكية

الجمعة - 20 أكتوبر 2017

Fri - 20 Oct 2017

تستند العلاقات السياسية والاقتصادية التاريخية بين كل من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية على مصالح مشتركة عميقة تمتد جذورها لثمانية عقود مضت. اللقاء الذي جمع الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- مع الرئيس الأمريكي روزفلت على متن السفينة يو اس اس كوينسي أقل ما يوصف بأنه نواة الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، هذا اللقاء شكل حجر الأساس لواقع جيوسياسي بدأ منذ عام 1945 ومستمر ليومنا هذا.

يتصف الواقع الأوروبي بعد الحرب العالمية الثانية باستقلال دول وزوال أخرى مرورا بالحرب الباردة، رغم كل هذه الظروف لا تزال العلاقة الاستراتيجية بين واشنطن والرياض قائمة وقوية، قد تمر بفترات من الاختلاف أو الفتور لكن المصالح المشتركة دائما سيدة الموقف. رغم كل العقود التي مرت من العلاقات الثنائية الاستراتيجية بين البلدين الصديقين، فما زال الحاضر يوحي أن الشراكة الاستراتيجية السعودية الأمريكية تتجه نحو المزيد من الاتفاقيات والتحالفات الجديدة لتكون نواة لثمانية عقود قادمة مليئة بالمصالح المشتركة.

الزيارة التاريخية للرئيس ترمب للمملكة العربية السعودية في شهر مايو الماضي، هي أول زيارة خارجية له كرئيس، كانت بمثابة إعلان من الرئيس الجديد أن حقبة العهد السابق انتهت، وإعادة تأكيد للعالم أن المملكة كانت وما زالت من أهم حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية.

تجدر الإشارة إلى أن سمو ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، قام بدور محوري لإعادة رسم خارطة الشراكة الاستراتيجية بين الحليفين قبل زيارة الرئيس ترمب للسعودية. فقد التقى الرئيس ترمب مع ولي العهد السعودي في مارس الماضي ووصف اجتماعهما بأنه إعادة لترتيب العلاقات الأميركية السعودية، ما صنف بأنه نقطة تحول حقيقة في العلاقات التي مرت بمرحلة فتور في عهد الرئيس السابق باراك أوباما. بعد ذلك الاجتماع صرح الرئيس ترمب عن أمله في تغير مسار السياسة الأمريكية وكان ذلك ما حدث. اللقاء بين ولي العهد والقيادة الأمريكية كان السبب الرئيسي لاختيار الرئيس الجديد للرياض كأول وجهة خارجية له. أيضا، كان من نتائج هذه الزيارة دعم الشراكة الاستراتيجية السعودية الأمريكية وإعادة تفعيل التعاون المستقبلي في المجالين الاقتصادي والأمني.

رؤية 2030 تحالف اقتصادي طويل المدى

تعد المصالح الاقتصادية المشتركة بين البلدين مهمة جدا. السعودية لها دور كبير في منطقة الخليج لما تمتاز به من ثقل سياسي واقتصادي، والثروة النفطية الخليجية تشكل ما يقارب 54% من السوق العالمية، وحوالي 40% من احتياطي الغاز الطبيعي العالمي. هناك ارتباط بين تعافي الاقتصاد الأمريكي واستقرار أسعار البترول في السوق الخليجي. تعمد رؤية 2030 إلى تنويع مصادر الدخل للمملكة وتحويل الوضع الاقتصادي من الاعتماد بشكل كبير على القطاع الحكومي والنفط تحديدا، إلى دعم الاقتصاد المحلي ليصبح سوقا حرة يجذب الشركات العالمية للاستثمار في السوق السعودي، مما يعد تحولا حقيقيا في النظام الاقتصادي للدولة السعودية. الشركات الأمريكية العالمية تطمح للاستثمار في منطقة الشرق الأوسط ولا بد من أن تأخذ في الاعتبار الامتيازات التي تقدمها لها الدول. رؤية 2030 تعمل لجذب الاستثمارات الخارجية وصنع دور تكاملي بين الاقتصاد السعودي والأمريكي. الجدير بالذكر، أن استثمار الشركات الأمريكية في السعودية يشكل أداة ضغط في واشنطن لحماية المصالح السعودية، فالشركات لها مراكز ضغط (لوبي) على الكونجرس والسياسيين الأمريكيين. لهذا، فالقمة السعودية الأمريكية في مايو الماضي والصفقات بين القطاع الخاص في البلدين ما هي إلا نواة لشراكة استراتيجية جديدة. على سبيل المثال، فإن الصفقات السعودية مع الشركات الأمريكية ستوفر فرص العمل في البلدين على مدى العشر السنوات القادمة بقيمة أكثر من 200 مليار دولار، مما شكل نقلة نوعية في العلاقات الاستراتيجية بين واشنطن والرياض.

جزء من رؤية 2030 هو زيادة استثمارات أرامكو خارج السعودية وداخل الولايات المتحدة، لتنويع مصادر الدخل وتعزيز مكانتها. طبقا لتقرير مجلة «فورين أفيرز» الأميركية، فإن شركة «أرامكو» اشترت مصفاة «بورت آرثر» النفطية في ولاية تكساس الأميركية بنسبة 100%، لتكون بذلك أكبر مصفاة في أميركا الشمالية (أي في الولايات المتحدة وكندا معا). كل هذه الخطوات تعزز العلاقة التاريخية بين البلدين، لأنه وكما هو متعارف عليه في علم السياسة، فإن الأمن القومي هو الأمن الاقتصادي. الاقتصاد يزيد من عمق الروابط بين الدول ويجعل التحالفات المبنية على المصالح المشتركة قوية وطويلة الأمد.

شراكة أمنية جديدة

نجحت القيادة السعودية في تعزيز العلاقات الأمنية مع الولايات المتحدة، الحراك الدبلوماسي السعودي والزيارات المتبادلة بين قادة البلدين أدت لتوافق كبير بشأن الملف الإيراني، مما سيكون له أكبر الأثر على منطقة الشرق الأوسط. السياسة الأمريكية واضحة وسوف تؤدي إلى إلغاء الاتفاق النووي، كما جاء في خطاب تلفزيوني موجه للمواطنين الأمريكيين لعدم التزام طهران بتنفيذ بنوده، محذرة في الوقت نفسه من أن الولايات المتحدة قد تنهي التزامها به وإحالة الاتفاق للكونجرس تمهيدا لإلغائه. بالإضافة لهذا، فقد تم عقد شراكة لمكافحة الإرهاب وتمويله وإنشاء مركز اعتدال لمحاربة الفكر المتطرف بين البلدين.

تنوع الحلفاء والصفقات

الزيارات التي قام بها الملك سلمان بن عبدالعزيز لعدد من الدول الكبرى كالصين وروسيا لها أهميتها في إطار تنوع الحلفاء. التغيرات الجيوسياسية دائما واردة وتغير الإدارات الحاكمة في الولايات المتحدة، والتفاوت فيما بينهم، قد تؤدي إلى مرحلة فتور في العلاقات كما حدث في حقبة الرئيس السابق أوباما. الشراكة الاستراتيجية الاقتصادية هي ضمان لتلافي ذلك وضمان لتوسعة نفوذ الرياض في واشنطن. أخيرا، فالسياسة الخارجية السعودية راسخة ذات إرث دبلوماسي حكيم وتوازن دبلوماسي كبير. تنوع الحلفاء وتعميق الشراكة الاستراتيجية مع دول على النقيض السياسي والعسكري مع بعضها، مثل روسيا وأمريكا من دون الإضرار بمصالح المملكة مع أي منهما هو فن دبلوماسي ودهاء سياسي.

الأكثر قراءة

جميلة عادل فته

رجال الأمن.. رجال