شاهر النهاري

الإنسانية المفتقدة

الثلاثاء - 17 أكتوبر 2017

Tue - 17 Oct 2017

لست ممن يحبون التعميم، ولا ممن يطلقون الصفات العنصرية، على جنس معين، أو مجتمع معين، سواء في حاضر الأيام، أو في مسارات التاريخ، غير أن التراث يحكي لنا كيف أن الشعوب التي عاشت حول أرض الرافدين ومنذ بدايات دخول الإسلام إليها لم تترك في تراثنا إلا الصور العنيفة والثورات والخيانات وحالات الانتقام والحروب وصور القتل والفتك بالبشر بقسوة لا يمكن إغفالها، وبتسلط قوم على قوم بما يشبه الخيال الأسود المتعاقب.

وقد مر العراق منذ غزو الكويت وحتى يومنا هذا بفترات عصيبة شهدنا كثيرا من صورها، فكنا نسمع بأحداث كارثية، سواء على مستوى الشيعة أو السنة، ومما فعلته داعش والبعث والحشد الشعبي من شرور تعجز العقول عن استيعاب قسوتها وانعدام إنسانيها، تصيب المشاهد، أو السامع بالكآبة.

ومؤخرا وأثناء وبعد طرد محاربي داعش من الموصل طالبت منظمات هيئة الأمم المتحدة، الحكومة العراقية باتخاذ إجراءات عاجلة للحفاظ على سيادة القانون والنظام ووقف الانتهاكات الصارخة، التي كان يتعرض لها الأفراد والأسر، خصوصا من كان له أي علاقة بتنظيم داعش.

وكنا نرى بعض ما يتم تصويره وتسريبه بتفاخر عما يفعله أفراد الحشد الشعبي، والجيش العراقي لكل من يجدونه في طريقهم، فلم نعد نعرف من هو الإرهابي، ومن هو محرر الأرض، لتطابق الوسائل، والوحشية، والعقوبات، التي يبدعون فيها بإزهاق الأرواح.

وصمة عار متناهية لن تمحوها لجان حقوق الإنسان ولو حرصت، يتم إضافتها إلى تاريخ طويل من الدموية والعار، والخروج عن مصاف الرحمة الإنسانية.

عدالة تتشابه مع عدالة داعش، فلا قانون ولا واعز من ضمير، ولا قطرة من إنسانية.

أسر في حياة بؤس يكون الموت أهون منها، فيتم جمع المشتبه بهم رجالا ونساء في مخيمات، لا يمكن للعقل تصور مدى ما فيها من حقد ومن كره وانتقام، ومن انتهاكات أخلاقية ونفسية وجسدية، ما دفع المنظمات الحقوقية، والأمم المتحدة إلى مطالبة الحكومة العراقية بالتحرك نحو دولة قانون، وحمايتهم من القتل انتقاما، والتشريد ومصادرة المنازل والعقاب الجماعي الموجه ضدهم.

ومؤخرا كشفت صحيفة «ديلي ميل» البريطانية، ووكالة «أسوشيتد برس» عن صور جديدة للانتهاكات المقترفة من قبل الحكومة العراقية، في خضم التعامل مع أسرى تنظيم داعش، وغيرهم ممن يشتبه في ضلوعهم بأعمال عنيفة، وكثير ممن لا ذنب لهم، عقب استعادة مدينة الموصل من التنظيم الإرهابي، وبعد حملات عسكرية دامية استمرت لتسعة أشهر.

وظهر في الصور المخزية مئات من المعتقلين، مكومين داخل سجون ضيقة مؤقتة في جنوب مدينة الموصل على شكل غرف مظلمة رطبة، لا تكفي لجلوس المعتقلين فيها، وكانت بدون نوافذ، ويظهر فيها أعداد ضخمة من الأشخاص فاقدي الحيلة مصابين بالأمراض والرطوبة والتهالك جراء نقص التهوية ونقص الغذاء وانعدام أشعة الشمس، وكان وحسب الوكالة العديد منهم يعانون من أمراض انعدام الحركة والرضوض، والتي تصل إلى حد تيبس الأطراف، والغرغرينا.

وقد تمثل رأي الحراس وحسب رواية الوكالة، بأن رد أحد الضباط (ملازم)، على سؤال الصحفي عن أسباب ما ينالونه من عقاب، بأنهم أقارب منظمة داعش، وهو يؤكد بكل ثقة بأنهم: ليسوا بشرا!

وهنا يحير السؤال وينعكس، فهل من يتولى معاقبتهم هنا بشر؟

@Shaheralnahari