مرزوق تنباك

القبيلة والأسرة

الثلاثاء - 17 أكتوبر 2017

Tue - 17 Oct 2017

من يعش في الجزيرة العربية لا بد أن يكون منغمسا في الثقافة القبلية شاء أم أبى، والمقصود بالثقافة معناها العام، أي عاداتها وقيمها وتقاليدها المعتبرة، وما لها - أي الثقافة - وما عليها، وأهم ما يحمل إرث القبيلة هو النسب، والقرابات الحقيقية والمتوهمة. والتراث العربي والإسلامي أشار إلى صلة معتبرة من العلاقات النسبية ورتبها حسب أهميتها، يبدأ بالنواة الصغيرة، الوالدين وأولادهما وذوي الأرحام الذين تجب صلتهم والبر بهم ومعرفتهم، وهي دائرة ضيقة محصورة في العدد القليل، وفي المقابل تتحدث الثقافة العامة عن صلات بعيدة تربط بين الناس بمفاهيم ودرجات مختلفة نشأت في تلك الحقبة التاريخية الماضية لأسباب فرضتها الظروف والأحوال القائمة آنذاك.

ولو نظرنا إلى مراتب القرابات القبلية لوجدناها درجات بعضها فوق بعض، تبدأ بالفصيلة وتنتهي بالشعب والأمة. ولأهمية هذا الموضوع كان في الثقافة تحديدات للقرابات المعتبرة التي تجب معرفتها وصلتها وما لها وما عليها، وكذلك القرابات البعيدة المنبتة التي يجمعها النسب الأعلى فقط وحقوقها معنوية ولا أكثر من ذلك.

ويعبر عن النوع الأول بآل فلان وأهل البيت ويعنى بها العدد القليل الذي يمكن أن يجمعهم المنزل الواحد، وقد تغير المسمى في الوقت الراهن، حيث حلت الأسرة محل أهل البيت، فيقال أسرة فلان والأسرة الفلانية أو العائلة الفلانية، وكل ذلك يقصد به الرجل وأولاده وأبناء عمه الذين يجمعهم الجد الثالث. وإذا تجاوز العدد الجد الثالث انقطعت الأسرة والأهل والعائلة، وبدأت القبيلة بترتيب مختلف مثل الفصيلة والعشيرة والبطون والأفخاذ والشعوب والأمة، ولكن لا يترتب لها حقوق الأسرة والعائلة ولا البر الذي توجبه القرابة والرحم، وذلك كله كان توافقا اجتماعيا تحتاجه الجماعات والتكوينات القديمة التي تعتمد على مثل هذه القرابات للحماية والتعارف وقيام المصالح بينها واحتضان أبنائها وإن بعدوا نسبا. وقد انتهت

الحاجة لهذا النوع من التكتل القبلي في الوقت الحاضر وصار الوطن هو المحضن الكبير لكل من يعيش على أرض الدولة القطرية، وأصبحت الصلة القائمة بين الناس هي صلة المواطنة وحقوقها وواجباتها التي تجمع الناس على المصالح المشتركة وليس على الحسب والنسب.

والدولة ضامنة لسلامة المجتمع وأمنه وضبط العلاقات بين أفراده، والشعار الظاهر خير الناس أنفعهم للناس، وهذه معاني الفضيلة التي يجب أن يحققها الفرد بنفسه، لا يعتزي بأسرة ولا قبيلة ولا فئة أو جماعة وهو المعنى الكريم الذي جاء به القرآن (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، فلم تعد هناك حاجة لتلك التكوينات القديمة، إلا هذا المعنى القرآني الجميل، وهو التعارف بين الناس جماعات وقبائل وشعوب مما جعل معنى الكرامة ومنبعها من ذات المرء، وليست راجعة لنسبه ولا حسبه. في القديم كانت الحاجة قائمة للتجمعات الضخمة، والحاجة أم الاختراع، أما الحاضر فإنه من الأولى أن تكون المواطنة ويكون الوطن بديلا مقبولا يحل محل تلك الروابط في ظل الدولة الحديثة القائمة بالعدل بين الناس، وتنصهر كل الثنائيات في رحاب الوطن الكبير الذي ينتمي إليه الجميع، الدولة تحتاج التخفيف من الأثقال على وظيفتها الاجتماعية ومهماتها الوطنية والتخلص من كل ما يعطل مقدرتها ويضخم رشاقتها المطلوبة.

Mtenback@