سنغافورة ورؤية السعودية 2030

الاثنين - 16 أكتوبر 2017

Mon - 16 Oct 2017

خلال الأسبوع الماضي حظيت بفرصة التعرف على نظام الحوكمة الذي ينظم دولة سنغافورة في الوقت الحالي، والذي تطور معها منذ حصولها على استقلاها خلال الستينات الميلادية من الاستعمار الإنجليزي. دولة سنغافورة مساحتها صغيرة نسبيا مشابهة لمساحة منطقة الرياض، ولا تحتوي على أي موارد طبيعية تذكر بخلاف الجرانيت، ومع ذلك استطاعت أن تبني اقتصادا يتجاوز دولة ماليزيا في ناتجه المحلي بحجم يقدر بـ 297 مليار دولار.

سنغافورة دولة متقدمة كبقية الدول المتطورة، ولكنها تجمع من المتضادات والأمور غير المعهودة بشكل ملفت للنظر، فهي تطبق خليطا من السياسات الاشتراكية والرأسمالية، ويحكمها نظام ديمقراطي شبيه بمفاصله الأساسية للنظام البريطاني، وتطبق نظاما مخصصا لتقييم الأداء لموظفيها الحكوميين يعتمد على نظام الجرس في نفس الوقت الذي تدفع فيها أجورهم بحسب سعر السوق تماما كالقطاع الخاص.

ما تعلمته خلال الأيام القليلة الماضية ألهمني التفكير مليا في منظومة حوكمة رؤية السعودية 2030 ليجعلها أكثر فعالية خاصة مع متطلبات أهداف الرؤية التي تتطلب تعديلات كثيرة في الخدمات الحكومية، وكيفية إدارتها سواء بشكل ذاتي أو بالمشاركة مع القطاع الخاص.

منظومة الحوكمة الحالية تجعل الوزارات مسؤولة عن أهداف ومبادرات الرؤية من المستويين الثالث والرابع، ويبقي على نطاق عملها الذي يشمل الجوانب الرئيسة الثلاثة، التشريع، والرقابة والتنفيذ، ويعطيها استقلالية في عمل ذلك عن طريق برامج الرؤية الاستراتيجية، في نفس الوقت يجعل إدارات المناطق وبلدياتها تابعة وغير مساهمة بشكل قيادي في كامل العملية. هذا الشكل من الحوكمة يدير المبادرات الاستراتيجية بشكل مركزي لجميع المناطق التي تقع تحت تصرف أولويات الوزارات ومصالحها.

أعتقد أن إدارات المناطق من ستكون السر في نجاح رؤية السعودية 2030 لهذا سيكون من المفيد ضمها لمنظومة الحوكمة ويتم إعادة توزيع بعض مسؤوليات الوزارات ونطاقاتها لتكون من اختصاصها بحيث ينقل إليها تحديدا جزء من التشريعات وسن السياسات العامة على النطاق المحلي، وجزء من مهام الرقابة، وكامل مهام التنفيذ بما فيها المشاريع الرأسمالية أو التشغيلية على النطاق المحلي، ويتم إعادة هيكلة إدارة المناطق لتكون تابعة لمجلس الوزراء مباشرة.

الفائدة الأكثر أهمية في جعل إدارات المناطق منخرطة بشكل مباشر في تحقيق أهداف الرؤية هو أن مساحة المملكة ومناطقها أكثر صعوبة وتعقيدا من أن يتم إدارتها بشكل مركزي من قبل الوزارات، ويحفز هذه المناطق للتنافس فيما بينها لتطوير خدماتها واقتصاداتها وجذب الاستثمارات والساكنين إليها، فالعديد منها اليوم تعاني من اختلاف أولوياتها عن أولويات الوزارات المختلفة مما يجعل دورها غير فعال في تحقيق أهداف الرؤية.

أما بالنسبة للوزارات فمن الجيد أن تتفرغ فقط للتشريع العام ومساعدة المناطق على بناء قدراتها المؤسسية المستقلة بشكل تدريجي حتى تنضج، ويتم إبقاء الوزراء جميعا في مجلس الاقتصاد والتنمية، والمجلس السياسي ليكونوا مدراء لبرامج تحقيق الرؤية الحالية والجديدة مستقلين بعيدا عن الحقائب الوزارية، ويتم تعيين أمين عام لكل وزارة يشرف على تنفيذ أهداف الرؤية بحسب اختصاصاتها.

أعتقد أن استكمال ذلك يكون بإعداد برنامج تحقيق رؤية يهتم ببناء القدرات المؤسسية لإدارات المناطق يأخذ في الاعتبار أنظمة حوكمة محلية مخصصة ومتوافقة مع رؤية السعودية 2030 يمكن فيها الاستفادة من تجارب دولية مختلفة شبيهة مثلا بدولة سنغافورة، ويكون عن طريقها ضم المؤسسات الحكومية المحلية لهذه المناطق بمشاريعها الرأسمالية والتشغيلية وتصبح المناطق قادرة على المشاركة وقيادة مبادرات وأهداف الرؤية من المستوى الرابع لتكون أكثر تركيزا على تحقيق الأهداف بدقة وفي الوقت المناسب.

@Mo_Alsuwayed

محمد عبدالله السويد - خبير مالي ومتخصص في استراتيجيات الشركات