أحمد الهلالي

إنسي يسكن في جان!

الثلاثاء - 10 أكتوبر 2017

Tue - 10 Oct 2017

خرج ليجان السكمري في شتاء قارس إلى السوق، فمر بدكان أبي أنيس العجلاتي، فبينما كانا يتبادلان أخبار الثمار دخل عليهما رجلا رث الهيئة، شعرا بنفور من خلقته، حتى تكلم، فكان صوته أدفأ من صوت بثينة المغنية، طلب ماء، وحين ارتوى هم بالقيام فقال أبو أنيس: «على رسلك أيها المسافر، فالتعب على هيئتك ظاهر، ارتح قليلا وعرفنا عليك» فاتكأ بظهره على جدار الدكان، ولم ينطق بكلمة، فنظرت إليه وابتسمت، وقلت: (يقولون ليلى بالعراق مريضة ويا ليتني كنت الطبيب المداويا)، فجلس، وتلفت يمينا ويسارا ثم نظر إلي، وسألني: هل تعرف بيت المجنون؟، قلت له: نعم. إنه في خيمة الجن بجزيرة العرب، فهل تعرفه؟ قال: لا، لكن أختي هي الجنية العاشقة التي تلبسته، أما أنا فإن حظي أتعس من حظ أرملة الفقير، كنت أعشق ابن عمي من الجن، ولأني كذلك فقد أنفت عن تلبس الإنس، فسلط الله علي هذا الإنسي فتلبسني، ولا أستطيع الفكاك منه، فبالله عليكم أخرجوه مني.

أصابنا الذهول، فهل يعي هذا الرجل ما يقول، فاستحلفتها بالله، فأقسمت أنها تقول الحق، قلنا: وماذا نفعل لنخرجه منك؟، قالت: خذونا إلى راهب منقطع في ديره عن البلد، لا زوج له ولا ولد، فساكني رومي أحمر، ومسيحي أشقر، يؤمن بالصليب، ويمتص صحتي امتصاص العجل للحليب، فقال أبو أنيس، أعرف راهبا في دير معزول، فهيا بنا قبل الغروب، فخرجنا من البلدة، حتى وصلنا دير الراهب عشاء، نهر كلابه عنا، وأذن لنا بالدخول، فأخبرناه بأمرنا، فسقط مغشيا عليه، فانشغلنا بإفاقة الراهب، وحين صحا لم نجد الرجل، قال الراهب: لا تبحثوا عنه، لقد أخذ ما يريد ومضى، ولن ترياه بعد اليوم، فسألناه، هل تعرفه؟ قال: نعم، إنه رجل قتلت أباه قبل ثلاثين سنة بعد نزاع على مزرعة في القدس، وحكموا علي بالسجن، فهربت إلى العراق وترهبنت، وظننته قاتلي الليلة، لكنه أذكى من ظني، فقد جاء يبحث عن مفاتيح غلتي وأوراق أملاكي، فأخذ الصندوق بما فيه، فدعاه يذهب، لقد أخذ دية أبيه.

عدنا إلى البلدة، وبعد أن تفرق الناس من صلاة الفجر، خلونا بإمام المسجد، وأخبرناه بالأمر، فضحك حتى جلس، ثم قال لنا: أيها المغفلان، لو كنتما تصدقان بدخول الجني في الإنسي لاعتبرتكما ساذجين، لكن ماذا أسميكما الآن وأنتما تصدقان بدخول الإنسي في الجني؟! ثم ضحك ـ أيضا ـ حتى اتكأ، وقال: نحن الثقلان الإنس والجن، خلقنا الله لعبادته، لكنه لم يجعل لأحدنا سلطانا على الآخر، عدا الشيطان فإن له سلطان الوسوسة، وفوق هذا فكيده ضعيف، فتحرروا من أوهامكم واطمئنوا.

ahmad_helali@