عبدالله الجنيد

كوردستان واستحقاقات 2003

السبت - 30 سبتمبر 2017

Sat - 30 Sep 2017

سياسيا ولدت كوردستان (وهكذا يفضّل الأكراد اليوم التعريف بهم كورد) عندما أعلنت منطقة محظورة على الطيران العسكري العراقي بعد حرب تحرير الكويت، واليوم تحاول بغداد وإيران بالتحالف مع تركيا إسقاط المشروع الكوردي عبر حظر الطيران والحصار الاقتصادي.

الولايات المتحدة تمنت على الأكراد إعادة التفكير في الاستفتاء وأن تتحول للضامن الدولي لكل مطالبهم عند بغداد، إلا أن بارزاني لم يقبل أن يلدغ من نفس الجحر مرتين. الأكراد يعون أن التحولات في السياسات الأمريكية شرق أوسطيا ستفرض تمسكها بعراق موحد، والقبول بتنازلات ستكون كوردستان أحدها خصوصا مع دخول الحرب على داعش نزعها الأخير. فاحتواء التهديدات القادمة من الشرق والتحول في بنية النظام السياسي التركي يفرضان تواجدا دائما للولايات المتحدة عسكريا في العراق وربما في سوريا كذلك. لذلك يتوجب على الأكراد إعادة إقناع واشنطن وبغداد بضرورة إشراكهم في المشروع العام من باب الشريك الأصيل لا اللاعب الاحتياط. وبارزاني كان واضحا في ذلك، أي التفاوض مع بغداد مباشرة بعد إقرار الكورد لحقهم في تقرير المصير لا قبل ذلك. البرغماتية الكوردية كانت الأكثر واقعية في تعاملها السياسي مع الجميع لأجل تحقيق مشروعها الوطني المعطل، إلا أنه اليوم يصطدم برؤية أمريكية مختلفة وعراق منعتق نسبيا من التسلط الإيراني على بغداد. أما سياسيا، فإن التحالف الوطني الحاكم هو أكثر انقساما بين تياراته الشيعية الطامحة لتجيير الانتصار على داعش سياسيا بعد تأكد استحالة نجاح الدولة الشيعية وطنيا.

بغداد ليست بأفضل حالا من أربيل، فكلاهما الآن بين سندان إيران ومطرقة تركيا المدعومتين من موسكو الأكثر وضوحا في الوقوف مع حلفائها. واشنطن تعي الآن هشاشة الأرض التي تمشي عليها في الشرق الأوسط بعد أن قبلت بتقديم العراق قربانا لإيران منذ 2003، وخسارتها لثقة الكورد الآن ستحسب امتدادا لسلسلة السياسات الأمريكية الفاشلة في الشرق الأوسط. الاستحقاق الكوردي لا يمكن إنكاره، وواقع النموذج السياسي في بغداد لا يملك أن يمثل مشروع دولة وطنية بعد تفسخها طائفيا، والولايات المتحدة الأمريكية لا يمكن أن تعيد احتلال العراق من أجل إنقاذه. استقلال كوردستان هو صندوق باندورا الذي فضل الجميع إبقاءه مقفلا، إلا أنه قد يكون العنصر المفقود من معادلة إعادة صياغة الشرق الأوسط من حيث جغرافيته السياسية. فالولايات المتحدة قد تنجح في الضغط على حلفائها الأوروبيين والعرب بتبني موقفها من تقرير المصير في كوردستان، إلا أن إسرائيل ترى في خلاف ذلك مصلحة أكبر. فإسرائيل بذلك ترفع من مستوى احتمالات الصدام بين واشنطن وطهران، وفي نفس الوقت تخفض من مستوى اندفاع البيت الأبيض تجاه عملية السلام في الشرق الأوسط، أما أخيرا، فهي تريد أن تكون هناك دولة عرقية أخرى في الشرق الأوسط تتماهى والدولة اليهودية. هل نجح بارزاني في وضع أربيل على جدول الأولويات شرق أوسطيا، بالتأكيد هو نجح في ذلك، لكنه يعي تماما أنه سوف يتعين عليه التفاوض مع بغداد عاجلا قبل أن يتحول الاستفتاء إلى مصدر إزعاج لواشنطن. وقد سبق أن تقدم وزير الخارجية الأمريكي تيلرسون بتعهد بلاده بضمان كل الاستحقاقات الكوردية الواجبة على بغداد، إلا أن أربيل تعي أن التراجع سيفقدها قوة الضامن الجبرية إن هي تراجعت عن الاستفتاء. رئيس الوزراء العراقي هو الحلقة الأضعف في هذه المعادلة صعبة التركيب، وهو أضعف من أن يكون القائد الوطني القادر على تحقيق الإجماع الوطني. لكن ذلك الضعف الظاهر من العبادي قد يؤهله لتخليق الإجماع المطلوب بين جميع الفرقاء بمن فيهم الأمريكان، إن استطاعت واشنطن تحقيق معادلة النصر المتماثل لكفتي المعادلة العراقية، فإن البارزاني والعبادي قد يصنعان البنية السياسية المطلوبة في وضع العراق على مسار الدولة الوطنية.

aj_jobs@