في السرقات العلمية.. «من يقدم السبت يلقى الأحد»!

السبت - 30 سبتمبر 2017

Sat - 30 Sep 2017

لطالما أثارت انتهاكات حقوق الملكية الفكرية ضجر كثير من الأكاديميين والأدباء وغيرهم، ويزداد هذا الضجر كلما تلوح في الأفق سرقة جديدة يتم اكتشافها بمحض الصدفة..! عندها تثور ثائرة الغيورين فتمتلئ الصحف بالمقالات وتضج مواقع التواصل بأقسى العبارات مستنكرة الفعل، ومنددة بالفاعل، وما هي إلا أيام معدودة و»يعود الكتان كما كان»..!

قضية السرقات العلمية ليست قضية مستجدة أو وليدة اليوم، فعديدة هي المرات التي تناولت فيها الصحف سرقة كتاب أو رسالة ماجستير أو دكتوراه، أو حتى بحث لترقية عضو هيئة تدريس. إن المتتبع لهذه القضية يعلم علم اليقين أنها كبرت كما تكبر كرة الثلج، وهي لن تقف إلا إذا تم إيجاد حلول مناسبة لكشفها والحد منها.

السرقة العلمية هي ليست إلا نوعا من أنواع جرائم السرقة التي تستوجب تطبيق عقوبة على مرتكبها. إلا أن العقوبة في ذلك ينبغي أن تكون مغلظة رادعة، أخذا في الاعتبار حال مرتكب الفعل الجرمي، وتوفر النية التي تمثل القصد الجنائي، حيث لا يتساوى المخطئ مع القاصد. لذلك يطالب الكثير بوجود عقوبات رادعة ينص عليها في أنظمة التعليم ولوائحه، لتطبق على كل أكاديمي تسوّل له نفسه ارتكاب هذه الجريمة. وجود هكذا عقوبات قد يكون له أثر إيجابي في تحجيم هذه القضية، فمن أمن العقوبة أساء الأدب. إلا أن الأهم من وجود العقوبات هو الاهتمام بالتحصين، والحد من ارتكاب الفعل الموجب للعقوبة (السرقة العلمية).

للحد من أي جريمة وتحصين الفرد من الوقوع فيها، فإنه لا بد من توافر جهد تربوي وتوعوي. كذلك هو الحال فيما يتعلق بالسرقات العلمية، كونها جريمة كغيرها من الجرائم. يتمثل الجانب التربوي في تعزيز أخلاقيات البحث العلمي والآثار المترتبة على انتهاكها، بينما يتمثل الجانب التوعوي في الإشارة إلى أركان هذه الجريمة، وكيفية تفادي الوقوع فيها. وهذا يتطلب وجود آلية تطبيق فاعلة تضمن تحقيق الأهداف المرجوة منهما.

فيما يتعلق بالجانب التربوي فقد يكون ذلك عن طريق تعزيز أخلاقيات البحث العلمي عمليا من خلال العملية التدريسية، وذلك إما صراحة، من خلال المناهج الدراسية، أو ضمنيا عن طريق استغلال المواقف التعليمية لغرس القيم كالأمانة العلمية، أو كذلك من خلال تطبيق مبدأ القدوة بذكر المعلم لمصادر المعلومات الخارجية التي يضيفها من خارج المقرر الدراسي، وهذا ما نسميه بالخبرات المصاحبة (أو ما يعرف بالمنهج المستتر). أما فيما يخص الجانب التوعوي فبالإمكان تطبيق ذلك من خلال مادة علمية في مراحل التعليم المتقدمة كمادة «المكتبة والبحث»، أو استحداث مادة أخرى.

فمن خلال هذه المادة يمكن توضيح ماهية السرقة العلمية وخطورتها، وكيف أن أيا منا قد يكون ضحية لها. كذلك لا بد من توضيح أهمية التوثيق العلمي وطريقته الصحيحة وكيفية استخدام التقنية والبرامج المساعدة في ذلك، لضمان عدم الوقوع في المحظور بدون قصد. الجدير بالذكر أنه في الدول المتقدمة، والتي تولي اهتماما بالغا لأخلاقيات البحث العلمي، يمثل هذان الجانبان (التربوي والتوعوي) ركيزة أساسية في التعليم، وهو ما قد يكون أحد الأسباب الرئيسة في قلة السرقات العلمية لديهم. لذا فإني أرى أنه من الضروري أن تجعل وزارة التعليم -ابتداء- من أهدافها تعزيز ذلك لدى طلابنا في سن مبكرة، والمبادرة بأخذ الخطوات العملية لتحقيق ذلك؛ لينشأ لنا جيل مقدر لأخلاقيات البحث وملم بماهية السرقات العلمية وخطورتها على العلم والمعرفة والمجتمع.