فاتن محمد حسين

الانتماء الوطني.. واستراتيجية البناء والتطوير

السبت - 23 سبتمبر 2017

Sat - 23 Sep 2017

مرت على الجزيرة العربية عصور ظلامية ساد فيها الجهل والتخلف والفقر، وكانت شعوبها عبارة عن قبائل متناحرة تتطاحن على المرعى والعشب، وسادت بينهم عادات قبلية مقيته كالأخذ بالثأر وقتل الأنثى لمحو العار، وكان قطاع الطرق يجوبون الصحارى للسلب والنهب، وكانت طرق الحج مهددة حيث يتعرض الحجاج لكل أشكال العنف، وهي من نوازع الشر التي شوهت حضارة المجتمع المسلم في هذه البقعة من العالم وأبعدته عن حقيقة الإسلام. هذا فضلا عما ساد في مجتمعاتها من عصبية قبلية ناتجة عن النعرات الطائفية والمذهبية والعرقية التي كانت تمزق أوصالها. وعندما جاء الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- جمع شتات هذا الوطن في كيان موحد أطلق عليه اسم المملكة العربية السعودية فقضى -رحمه الله تعالى- على كل العادات السيئة، وأرسى دعائم الأمن والسلام، وضرب بيد من حديد على كل أشكال التمييز العرقي، والطائفي، والمذهبي وجعلها أمة واحدة؛ لأنه اتخذ من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة دستورا لأمته ومنهجا لحياتها في مجالاتها كافة. فحل الأمن والأمان، وتم القضاء على الأمية والتخلف والجهل، وانتشر التعليم للذكور والإناث في كافة مناطق المملكة، وامتد البناء والنهضة العمرانية وفي المجالات كافة: العلمية والاقتصادية والاجتماعية والصحية، وقد سار أبناؤه البررة على نهج القائد الموحد في البناء والتوحيد، فأصبحنا مجتمعا نقارع الأمم المتحضرة قيما وأخلاقا وفكرا وحضارة. لأننا عدنا إلى قيمنا وأخلاقنا الإسلامية، كما طبقت معايير المساواة والعدالة في المجتمع، وكما جاء بها هذا الدين القويم ونبذ كل أشكال التمييز العرقي والمذهبي والقبلي، وكذلك التمييز ضد المرأة. ومع أن المملكة العربية السعودية قارة في حجمها وفي تنوع سكانها، ولكن هذا التنوع ينبغي أن يكون مصدر قوة لنا لا مصدر تفرقة، فاستثمار هذا التباين من شأنه تعزيز الوحدة الوطنية ودعم التنمية بكل أشكالها نحو غد مشرق لنا ولأجيالنا القادمة.

وما طرأ على مجتمعنا من تفرقة وتصنيفات فكرية مثل: الليبرالية والعلمانية والسلفية، تصنيفات غريبة على مجتمعنا، فهي ليست في مقرراتنا ومناهجنا الدراسية حتى نقول إن شبابنا قد تغذى منها، بل لم تكن موجودة عبر تاريخنا الإسلامي الطويل فحتى الأئمة الأربعة -رضوان الله عليهم- مع أن كل واحد له مذهبه وفكره ورأيه، ومع ذلك كان كل إمام يحترم فكر ورأي من سبقه لظروف المجتمع الذي كان يعيش فيه، وما يتطلبه من تجديد للفتوى والتفسير؛ لأنه كان هناك اتفاق على الثوابت وأصول الدين. كما أن بعض التصنيفات الفكرية والسياسية والخروج على الحاكم المسلم راجعة إلى الانحراف الفكري لدى بعض المارقين والذين وقعوا في فخ الغلو والتطرف وإقصاء الآخر والخروج عن الجماعة المسلمة، وهو مرض فكري جديد يصيب المجتمعات بفيروس معد، ويأتى من بيئات وجماعات مريضة فكريا تستغل بعض الشباب وتفكيرهم الغض وتعمل على غسيل أدمغتهم، وهذا حتما ناتج عن عوامل عدة من أهمها:-

1- قلة الوعي الديني بأحكام الشريعة الإسلامية وقيمها ومبادئها، والتي تؤكد على طاعة ولاة الأمر، بل وطاعة الحاكم المسلم.

2- الفراغ الذي يعيشه بعض الشباب وعدم استغلالهم لأوقاتهم بما يعود عليهم بالنفع والفائدة، ولو وجهت طاقاتهم بخدمات اجتماعية تطوعية متنوعة لتعود عليهم وعلى أمتهم بالخير الجزيل.

3- انشغال الآباء والأمهات عن أبنائهم، مما أتاح لهم فرص التواصل مع مرجعيات من مدعي العلم أو من مواقع مشبوهة على الانترنت التي تؤجج نار الفتنة للقضاء على وحدة وكيان المجتمع.

4- نقص المستوى التعليمي للشباب جعلهم فريسة سهلة للانقياد وراء الأفكار المضللة ممن يؤججون نار الفرقة بين الشعب والقيادة، يريدون بذلك النيل من اللحمة الوطنية لبلادنا لتحقيق مآربهم الدنيئة وإضعاف الأمة وتمزيق وحدتها. ولكن هيهات لهم، هيهات، فشعب المملكة العربية السعودية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- شعب موحد في بوتقة الحب والولاء والانتماء، فهو القائد الذي واصل مسيرة من سبقه من ملوك المملكة العربية السعودية وواصل إرساء دعائم النهضة والتطوير لمجتمعه وأمته الإسلامية، وتواصل مع قادة العالم شرقا وغربا ومع دول أفريقية وآسيوية ودول خليجية ودول إسلامية وعربية في زيارات تبادلية من أجل التنمية الاقتصادية للدولة ولتحفيز رؤية 2030، ووضعها موضع التنفيذ لنكون في طليعة الأمم المتقدمة ويكون المواطن السعودي هو هدف التطوير والتنمية في المرحلة المقبلة. وحتما أن المواطن المخلص يدرك أهمية الحفاظ على اللحمة الوطنية والوعي بالواجب الوطني الأخلاقي في الدفاع عن كيان الوطن ووحدة ترابه وأرضه، وقد أثبتت كل الأحداث من مثيري الشغب ومؤججي الفتن متانة النسيج الاجتماعي في هذا الوطن، والتفاف أبناؤه حول قيادته، وكل ذلك -قادر بإذن الله تعالى- على تحقيق الأهداف الوطنية الاستراتيجية في إيجاد كيان وطني موحد، بعيد عن كل أشكال التفرقة والتناحر، ولنتعظ بما أصاب الدول الأخرى من دمار وضياع، حينما تخلت عن قيادتها جراء أوهام وخيالات، وحقا: وطن لا نحميه لا نستحق العيش فيه.

Fatinhussain@