فيصل الشمري

عندما قرعت طبول الحرب في كوريا الشمالية

الخميس - 21 سبتمبر 2017

Thu - 21 Sep 2017

مؤخرا، عادت قضية كوريا الشمالية بسياستها الخارجية العدائية وتجاربها العسكرية الجنونية كأكثر المواضيع المتداولة على الساحة الدولية. هذا النوع من السياسة الشيوعية القمعية كان موجودا منذ سنين مضت، وتمثلت في نظام الحزب الشيوعي بقيادة رئيسه جوزيف ستالين. أجمعت المنظمات والهيئات الدولية، نتيجة لما يمارس على الأراضي الكورية الشمالية منذ سنين مضت، أنه لا تعطى أي قيمة للنفس البشرية هناك.

من المهم معرفة أن هناك فرقا بين الشيوعية الستالينية المنهارة والنظم الشيوعية الموجودة الآن. فقد اتصفت سياسة روسيا البلشفية، والتي اتبعها وطبقها لينين ومن تلاه من القادة البلشفيين، بالوحشية منذ أيامها الأولى، وبلغ الحد بالعديد من القادة البلشفيين والمتأثرين بلينين، أن وصلوا لمستويات من الشيطانية وهي الأكثر بشاعة على الإطلاق في تاريخ البشرية. بالنسبة إلى ستالين فقد كان هذا أسلوب سياسته المتبع يوميا. فالقتل، والتعذيب، والمجاعات، والترحيل الجماعي، والزج بالملايين في معسكرات الاعتقال الوحشي والخدمة العسكرية المروعة هي من السمات التي اتصف بها هذا النظام الماركسي والذي وضعه ستالين. فله تنسب المقولة الشهيرة «موت شخص هي مأساة، بينما موت مليون هي مجرد قضية إحصائية».

بوفاة لينين عام 1953 لم يعد النظام الستاليني الشيوعي الحاكم يمثل التشدد الذي كان عليه خلال فترة حكمه. بخلاف ستالين ونظامه الفاشي، فقد أعلن نيكيتا خروتشوف أحد القادة البلشفيين معارضته لسياسة الحزب الشيوعي، وسرعان ما اتبع نهج سياسي مختلف، بالإضافة لتنديده بجرائم ستالين أمام المندوبين المجتمعين في مؤتمر للحزب في عام 1956.

بالرغم من انتهاء هذه الحقبة منذ سنين طويلة، لكن روسيا البلشفية ونظام اللينينية الستالينية سيظلان دائما رمزا للقمع وممارسة أقسى أنواع الظلم على مواطنيها. إن انتشار حالات المجاعة، وعمليات الإعدام الجماعية، والقتل والتعذيب هي سمات مشتركة بين الحزب الشيوعي الروسي في عهد ستالين وحزب العمال الحاكم في كوريا الشمالية الآن.

الجدير بالذكر، أن كوريا الشمالية تعد من أكثر الأنظمة الدكتاتورية انتهاكا لحقوق الإنسان على مر التاريخ بقيادة كيم جونغ أون، وليس لها أي نظام مماثل في الوقت الحاضر. أما في السابق فقد تصدر هذه القائمة كل من ستالين وهتلر وماو، واتصفت فترات حكمهم بالبربرية وما تبع هذا من بؤس وإذلال للنفس البشرية. الشاهد على هذا أن النسبة الكبرى من الشعب على شفير المجاعة ولا توفر أبسط متطلبات الحياة من غذاء ودفء ومأوى. بالإضافة إلى العديد من الحالات التي لا ترقى لأدنى درجات الإنسانية تماما كالتي تقوم بها داعش، مما يدل على أن كوريا الشمالية لا تقدر قيمة حياة أي من أفرادها.

النظام الكوري الحالي يصنف بأنه من أكبر صانعي الصواريخ الباليستية العابرة للقارات. عملية إطلاق الصواريخ الباليستية الأخيرة في كوريا الشمالية أثارت المزيد من التساؤلات. فبدلا من إطلاقها من موقع معلن ومحدد لهذا الغرض، يتم إطلاقها من مواقع مختلفة باستخدام منصة إطلاق متنقلة مع تصميم يحتوي على حمولة المواد الانشطارية.

هذا النشاط العسكري المريب في شمال شرق آسيا يعد من الأهمية الكبرى لأنه يلقي بظلاله على العديد من الأحداث الجارية في الشرق الأوسط، فالعديد من القضايا تحتاج إلى معالجة بشأن الأمن الإقليمي في المنطقة والتي تعد كوريا الشمالية طرفا فيه، فعلى سبيل المثال:

سوريا كانت وما زالت تعمل على برنامجها النووي، والذي كانت بدايته بمساعدة كوريا الشمالية، ما الذي كانت تطمح إليه كل من سوريا وكوريا الشمالية من هذا التعاون العسكري؟ هل ما زالت هناك علاقة بين كوريا الشمالية وسوريا حول القضايا النووية؟

تم مؤخرا اعتراض سفينتين كوريتين شماليتين في طريقهما إلى سوريا، فهل تقوم كوريا الشمالية بشحن أسلحة إلى نظام الأسد والذي يستخدمها لقتل الشعب السوري؟

كان المهندسون والعلماء الإيرانيون حاضرين عند إطلاق الصواريخ الباليستية في كوريا الشمالية، ما هي المصلحة المشتركة بين الحزبين؟

كونها ناشرة للصواريخ الباليستية العابرة للقارات، وتصدرها لأي دولة تدفع ثمنها، يدفعنا للتساؤل هل ساعدت كوريا الشمالية إيران في صناعة برنامجها النووي؟ هل هذا ما دفعهما لمشاركتهما نتائج تطوير التكنولوجيا على الصواريخ الباليستية العابرة للقارات؟

في ظل تشديد بيئة العقوبات وتقليل فرص الحصول على العملات الأجنبية الصعبة في كوريا الشمالية، وبالرغم من أن الناتج المحلي الإجمالي لكوريا الشمالية في عام 2013 يقدر بنحو 28 مليار دولار أمريكي، إلا أن تكاليف التجارب النووية بلغت ما يقارب 1.3 مليار دولار سنويا، مما يدفعنا للتساؤل هل هناك أي جهة تمول هذه التجارب؟ إذا كان الأمر كذلك فمن؟

تقوم إيران بشراء أسلحة كوريا الشمالية، لاستخدام الحرس الثوري الإيراني وهي جماعة إرهابية، من المعقول أن نستنتج أن هذه الأسلحة تصل في نهاية المطاف لأيدي حزب الله والحوثيين والميليشيات الطائفية في العراق، فمن المسلم به أن الأسلحة الباليستية الكورية قتلت جنودا ومواطنين في المملكة العربية السعودية على مر السنين، وربما حتى في اليمن اليوم.

ختاما، هناك العديد من الأسئلة المتداولة عن نشاطات مريبة في الشرق الأوسط كانت أصابع الاتهام تشير لتعاون تقف خلفه كوريا الشمالية. لذا، فمن المؤسف حقا أن يكون النظام الستاليني ما زال موجودا حتى وقتنا الحالي، وأيضا يتمتع باعتراف رسمي، وبالتالي له الحق المشروع في الوجود في عدد من البعثات الدبلوماسية في العالم. يجب أن يكون واضحا تماما أن تصرفات كوريا الشمالية لا تزعزع الاستقرار في شمال شرق آسيا فحسب، كدول الجوار في آسيا، بل أيضا يصل ضررها هنا لدول الخليج العربي مما يتسبب في قضايا أمنية على مستوى المنطقة أيضا. التأثير السلبي لكوريا الشمالية لم يشمل فقط كوريا الجنوبية واليابان والولايات المتحدة، بل امتد مداه ليشمل دول الخليجي العربي والشعب السوري أيضا.