شاهر النهاري

العبث في التركيبة السكانية للشعوب

الخميس - 21 سبتمبر 2017

Thu - 21 Sep 2017

قبل خمسة عقود من الزمان، كانت التركيبة السكانية واضحة المعالم لكل بلد في العالم، حتى وإن وجد أغلبية وأقليات، فلم تكن الشعوب سريعة التغير في الأعراق، والمعتقدات، والأجناس والتركيبات السكانية كما تبدو عليه اليوم.

والتركيبة السكانية، أو ما يعرف بالديموجرافيا (Demography)، هي نتاج الدراسات الإحصائية للسكان من البشر في دولة بعينها.

وهذا العلم يشتمل على دراسة أي نوع من السكان، سواء الذين يعيشون بشكل ديناميكي مستمر، أو من يغيرون مناطق سكناهم، فيتم دراسة حجم وهيكلية وتوزيع هؤلاء السكان، نسبة إلى التغيرات الاجتماعية والمكانية الزمانية، والظرفية، التي يمرون بها مثل التزاوج والولادة، والعمل، والهجرة، والشيخوخة، والأمراض والوفيات.

ولو نظرنا في عصرنا الحالي لتركيبات الشعوب الديمجرافية لوجدنا أن شعوب الدول الفقيرة، والتي تعاني من الجهل والكوارث الطبيعية والجفاف والفوضى والإرهاب والحروب الأهلية والعنصرية توصل الكثير منهم إلى درجات عظمى من الحيرة والخوف واليأس والتخلي عن الأوطان، والتطلع الجاد إلى الهجرة على كف الغيب ببيع كل ما يملكون، وربما باقتراف الجرائم للحصول على ثمن رحلة تسمح لهم بتخطي الحدود، إلى المجهول.

هجرة عن ظروفهم العسيرة، وعبر ظروف أصعب، تجعلهم يتجهون إلى الشمال قاطعين البراري والغابات، ومهما بلغت صعوبة وجفاف وخشية الطريق غير الآمن الذي يسلكونه حتى يبلغوا شواطئ البحر الأبيض، والذي يعج بأنواع من المهربين، ممن يستغلون ظروفهم ويحملونهم على ألواح الوهم، وربما فوق مراكب مطاطية ركيكة لم تصنع لمثل هذه المغامرات، فيتكومون فوقها دودا على عود، ويسلمون مصيرهم للصدفة دون دليل، فكأنهم يحرقون مراكب عودتهم، وهم متجهون لغير المعلوم.

شواطئ ليبيا وتونس في الوقت الحالي هي المعبر الأمثل لمهاجري العمق الأفريقي الراغبين في الوصول إلى أوروبا، في اتجاه جزيرة لامبيدوزا، التي تقع بين مالطا وتونس وتتبع إيطاليا إداريا.

إيطاليا البلد المفتوحة سواحلها تغيرت تركيبتها الديمجرافية في السنوات الأخيرة على قدر يهدد التركيبة السكانية، ويجعلها غير متكافئة، وغير متناسقة، حسب ما كانت تستقبل من المهاجرين غير الشرعيين على مدى الساعة.

ومن الجانب الآخر نجد مئات الآلاف من السوريين والعراقيين يعبرون البحر المتوسط متجهين إلى بلدان الاتحاد الأوروبي، وغالبا ما تكون وجهتهم السويد أو ألمانيا، والبعض منهم يمر بتركيا واليونان وصربيا.

رحلات قاتل لذاته، أو مقتول حين يقذفون بين أيدي الموج السفاح، وكثيرا ما تغرق مراكبهم أو سفنهم في عرض البحر فيواجهون الموت، وتجمع بعض جثثهم أو بقاياها عندما تبلغ الشواطئ.

الولايات المتحدة الأمريكية، مثلها مثل دول أوروبا تعج بالمهاجرين من المكسيك، أو من بقية دول أمريكيا الجنوبية، وهذا يحدث لعدة دول أخرى في مختلف أنحاء العالم، حيث تصبح محطات للهجرة غير الشرعية، ومما يجبر حكومات تلك البلدان المستقبلة لهم للتعامل معهم وحسب قوانين الهجرة العالمية، بإيوائهم في ملاجئ تنهك اقتصاد تلك البلدان، بالإضافة إلى ما تضيفه الهجرة للبلدان من تفكك النسيج الاجتماعي، والتغير الديموجرافي، الذي يتبدل مع الوقت، حتى تفقد بعض تلك البلدان طابعها وقوانينها، ومجتمعها، واقتصادها، ورقيها.

بلد مثل السعودية تعاني أيضا من كثرة أعمال الهجرة غير الشرعية، وتبذل حكومتها جهودا مقدرة للمحافظة على تركيبتنا الديموجرافية.

Shaheralnahari@