شاهر النهاري

لماذا ليست هجرة للجنوب؟

الاحد - 17 سبتمبر 2017

Sun - 17 Sep 2017

كم هي مؤلمة مناظر رحيل المهاجرين من دولنا، دول الجنوب، إلى دول الغرب الأوروبي، ومن ثم إلى دول الرقي والاستقرار في شتى أطراف العالم الأجنبي، مهاجرون ليسوا ناكرين ولا خونة لدولهم العربية والإسلامية، ولكنهم اضطروا للهروب بحسراتهم عن حياة لم تعد تسعدهم، ولم تتركهم يعيشون في أمن وسلام.

هجرات حملت لدول المهجر الكثير من الصعوبات، والتغيرات، والسقطات، التي أشعرتهم بأنهم قد فرطوا عند قبول هذه الجحافل من المهاجرين، فاضطرت دول المهجر لتغيير الكثير من معطياتها وتركيبتها، وعانت من تردي حالات الأمن، واقتنعت بضرورة تغيير بعض القوانين الحقوقية.

ونعود للعنوان، فلماذا لا يهاجر الغرب للجنوب؟

والجواب بديهي فكل ما في الجنوب مختل فكرا وعملا، ويستمر عصيا على الإصلاح.

ثنائية السلطة والدين مشكلة عظمى أساسية لمناطق الجنوب، فالسلطة تحمي أهل الدين، ليرد أهل الدين الفضل بحماية السلطة، وإعطائها القدسية، والصلاحية بفعل ما تريد.

وهنا تكمن معضلة دول الجنوب، فمتى ما ضعف الحاكم، تقوت شوكة السلطة الدينية، والعكس كذلك، وتكون الضحية دوما الشعوب، الذين لا يد لهم في اختيار السلطة، ولا في التحرر من معتقد يمنعهم من المطالبة بحقوقهم الإنسانية، والمعيشية بسلام.

ما يوجد في الغرب هو التوازي والتوازن بين الحقوق، والسلطة، فيحصل الفرد على حرية مزاولة حقوقه، دون أن يجبر على غير ما يرغب.

الحالة المادية من أهم العوامل المساعدة المؤثرة في قرار الهجرة من عدمه، والفساد الحاصل بين ثنائية السلطة وأهل الدين، يؤكد حتمية الفساد، ويجعله منهجا للحياة، مما يجبر الشعوب على الاختيار بين حياة معاناة، مظلومة، مسلوبة الحقوق، أو الهروب للحلم.

الهجرة مسار موحد من الضيق للحرية، ومن الظلام، للنور، ومن الظلم، لنيل حقوق الإنسان، وهذا ما يجعلها حتمية من الجنوب إلى الشمال، فلم يسبق في عصرنا أن كانت عكس ذلك.

والمعضلة، التي تواجهها دول الغرب، أن المهاجرين يأتون بكامل أحمالهم النفسية والفكرية والثقافية والدينية ويحاولون الحصول في دول الغرب على ما يحلمون به من انفلات وتمرد كان ينقصهم في بلدانهم، فيستعيدون كينونتهم بالتجمع في خلايا، تسعى لتكسير القوانين، وهدم الحضارات، التي تعبت تلك الدول في إنشائها، والمحافظة عليها، مما يزيد الخلاف بين المهاجرين الطارئين على الحرية وأنظمة تلك الدول، ويؤدي لتعطيل عمليات تطوير ذواتهم، بالحيرة بين الثقافتين، ومحاولة الاحتفاظ بكل ثقافاتهم القديمة، مهما شذت، وتطويع أسس الحضارة الجديدة لها.

دول غربية كثيرة

بدأت تفقد السيطرة على المهاجرين، فتضطر إلى تبديل بعض قوانينها المدنية، وفرض التواجد الأمني الدائم، وبشكل لم يكن مطروقا فيها من قبل، كما أنها بدأت في تصعيب قوانين الهجرة، والجنوح للعنصرية تبعا للأضرار التي تتكشف لها بواقع ملموس مدمر.

تهديد عالمي لكل الحضارات البشرية، وخطورة عالمية بتحول كل معطيات التقدم، إلى محاولات خلق وسائل وطرق لمنع المهاجرين من فرض ثقافاتهم القديمة، على مجتمعاتهم الجديدة، ومنع التردي في العلم، والفن، وتطوير المجتمعات، والمحافظة على الحقوق، ونشر العدالة، والتسابق في الصناعات، والنزاهة.

معضلة تحل بالعالم الغربي المتقدم، ومن يعش منا عقدين، فلربما نجد الغرب يتجه للكواكب القريبة، هروبا من أهل الجنوب، ومعطياتهم المدمرة.

Shaheralnahari@