محمد حطحوط

افتخر بجراحك

السبت - 16 سبتمبر 2017

Sat - 16 Sep 2017

لماذا الله يسمح بالألم والقتل في هذا الكون؟ كيف نتعامل مع المعاناة؟ هذه من أكثر المفاهيم التي حيرت العالم بكل ثقافاته ودياناته. كونفوشيوس الصين تعامل مع (المعاناة) بتجاهلها عن طريق اليوقا وغيرها من المفاهيم التي تجتاح الغرب اليوم. وسبب اجتياح اليوقا أن المسيحية الحالية لم تقدم هي الأخرى تفكيرا منطقيا للتعامل مع المعاناة، فهي تعلق جميع أخطائنا ومعاناتنا على شماعة (عيسى) عليه السلام كذبا وزورا أنه قتل على الصليب تضحية عن خطايا أتباعه! بمعنى آخر.. احتارت الأديان السابقة -لأنها حرفت- في إقناع أتباعها بطريقة مثلى للتعامل مع ضغوط الحياة وآلامها التي لا تنتهي. ولهذا السبب تحديدا يعتمد (الملحد) منهجه الجديد.. لأن عجزه عن إيجاد تفسير مقنع لسبب هذه الأحزان المنتشرة في العالم، جعله يسلك هذا الطريق.

الإسلام وحده لديه منهج فريد في التعامل مع كل ألوان الأحزان وكل لحظات الأتراح بكل مستوياتها. الإسلام ينقل التفكير لمستوى مختلف، فهو يرى أن هذه اللحظات الصعبة من المعاناة هي جزء أساسي من تطورك البشري ورقيك في سلم العبودية. تأمل هذه اللوحات البديعة.. قال الله في كتابه:

(ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين)، (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون)، (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم).

وهذا يعني أن المشكلة ليست في المعاناة نفسها، وإنما في طريقة تعامل البشر معها، وهنا حدث الخلل. في الحقيقة.. الآية الأخيرة تأثيرها مذهل، ولأن ما يغيب عن العين يغيب عن القلب، قمت بطباعتها ووضعتها في مكتبي لتكون حاضرة دائما. ما أجمل المنهج الرباني في التعامل مع الأحداث المزعجة والتي لا يخلو منها أي بشر: (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله)، لا تقلق.. لا تحزن.. لأن لله حكمة في أيامك الصعبة. يشتاق الله لدعاء عبده فيبتليه، يريد الله تكفير خطايا وتطهير المؤمن فيجد نفسه محاطا بسيل من الأحزان. غادر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مكة حزينا، ولم يعلم أنه سيقضي أجمل أيام عمره في المدينة. هرب سيدنا موسى عليه السلام خائفا من بطش فرعون، ولم يدرك أن أمامه لحظة وقف التاريخ مشدوها لحديثه مع الله. لجأت السيدة مريم إلى جذع نخلة هاربة من قومها غارقة في أحزان آلامها، لتكون جزءا من مشهد يخلده الله في كتابه.

هذا على مستوى الأنبياء وهو ينطبق تماما على البشر. ابذل الأسباب وقاتل لما تراه صوابا، ولكن عندما يقدر الله لك غير ما تريد.. املأ قلبك رضى وطمأنينة أن الله لن يقدر لك إلا خيرا. عندما تسقط كن موقنا أن الله أراد لك خيرا، أو صرف عنك شرا، بهذه الفلسفة تعيش حياة مليئة بالراحة والطمأنينة.

افتخر بجراحك.. لأن لله حكمة في أيامك الصعبة.

@mhathut