التواصل الإنساني بين الأمم

السبت - 16 سبتمبر 2017

Sat - 16 Sep 2017

سرني خبر تنظيم رابطة العالم الإسلامي مؤتمرا عن التواصل الحضاري بين أمريكا والعالم الإسلامي، فقد جال بخاطري لقاء جرى (منذ سنوات) جمعني مع باحث فرنسي اسمه استيفان لاكواه، استضفته في داري وتحاورت معه حوارا فكريا وسطيا متجسدا معه ثلاثية الأخلاق النبوية (الرحمة والمحبة والسلام) كواقع مغيب لجميع الأمم والشعوب والمجتمعات، ومنطلقا بقناعة أن الإسلام ميراث ديني مشترك لجميع شرائع العالم، وأن مكارم الأخلاق التي جاء سيدنا محمد النبي الرسول صلى الله عليه وسلم ليتممها ما زالت قائمة ومتجددة.

ورغم كل العقبات والحواجز الظاهرية التي يمكن أن تحكم على حوارنا بالفشل كونه فرنسيا من أوروبا وهو مسيحي، وأنا عربي من قلب بلاد الحرمين ومسلم، إلا أنه ومن خلال هذه التجربة أدركت أن كل العقبات لن تحول دون تواصلنا بل وتناغمنا حول كثير من القضايا الفكرية، ولا سيما فيما يتعلق بمكارم الأخلاق.

فمكارم الأخلاق في حقيقتها ترى الإنسان إنسانيته وتقود سلوكه نحو التعديل، وتسمو بنفسه نحو المزايا وتطهر ذاته من الرزايا، فالمدرسة الأخلاقية لا بد أن تسود عالمنا أمام طوفان المدرسة المادية التي عاثت في الأرض فسادا، فالأمم والشعوب والمجتمعات قاطبة باختلاف أديانهم وتعدد مذاهبهم وتنوع أطيافهم يشتركون في الإنسانية الأخلاقية الواحدة، وهي فطرة الله التي فطر الناس عليها.

وقد يسأل سائل: ما الذي جمع بيننا؟ فأقول: إنه الشعور الإنساني، ذلك الجسر الذي يتخطى حدود الزمان والمكان، فبالتواصل نتبادل المعرفة المرتبطة بالتجربة المباشرة التي تعطي أو تنتج انطباعا خاصا أو لقاء مباشرا بمفهوم المعرفة التي هي تكملة للعلم الذي يدل على اكتساب المعلومات نقلا أو عقلا من بطون الكتب أو من أفواه وعقول الرجال. لذلك يجب أن يكون لمكارم الأخلاق حيز كبير في حياتنا التي شوهتها المادة كغاية وليست كوسيلة من الوسائل المشروعة.

وخلال حوارنا ومجادلتنا في بعض الأحيان بالتي هي أحسن اتضح أن شعورنا الإنساني واحد ومكارم الأخلاق التي نؤيدها واحدة، فهو من أسرة مسيحية محافظة لا يحب سيئات القول والعمل ويدعو إلى الفضيلة ومكارم الأخلاق، وقد انتهزت فرصة هذا التواصل فدعوته للإسلام، وأبدى رغبته بدراسته أكثر من خلال الواقع. وقد ترجم صديقنا هذه العلاقة فيما بعد من خلال تعمقه بتاريخنا وواقعنا ونطقه الجيد للغة الضاد التي يحسنها تحدثا وكتابة، مبديا تعاطفه مع كثير من قضايانا التي لا يحسن بعضنا حتى عرضها.

وكما يعرف الجميع فإن من أبرز سمات النهضة العلمية التي عاشها العالم الإسلامي هو وجود أرضية مشتركة للتواصل (من خلال مكارم الأخلاق) بين الأمم والشعوب والمجتمعات كهدف ومبدأ شبه متفق عليهما، فبهذا التواصل الإنساني ازدهرت العلوم التي احتوتها تلك النهضة الفريدة لأن «الأنبياء إخوة وأمهاتهم شتى ودينهم واحد» كما جاء في الحديث الشريف.

ولا بد أن نتذكر هنا زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله عليه رحمة الله لبابا الفاتيكان التاريخية التي اعتبرت في وقتها بحق حدثا فريدا في فهم الآخرين، بل قل في العلاقات الدولية بين الأمم، حيث ترجمت الثلاثية الأخلاقية (الرحمة والمحبة والسلام) التي دعا إليها الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم إلى واقع نتمنى أن يحققه هذا المؤتمر دون أن نفرط في حقوقنا أو ثوابتنا الراسخة التي آن الأوان أن ننشرها بمبادئ من الرحمة والمحبة والسلام.