عبدالله قاسم العنزي

استراتيجية دمج مكاتب المحاماة.. القفزة نحو البقاء

الجمعة - 15 سبتمبر 2017

Fri - 15 Sep 2017

لا يزال المستقبل المجهول يخيم على قطاع الخدمات القانونية ومهنة المحاماة تحديدا لسبب ضعف القواعد القانونية في نظام المحاماة وعدم مواكبتها لما يستجد من نوازل على مستوى المهنة والقطاع.

وإذا أردنا قطاعا قويا يكون رافدا من روافد الاقتصاد الوطني يجب أن يستند إلى نظام يدعم حركة الاستثمار وصناعة الخدمة القانونية، وإلا ستكون بعض مكاتب المحاماة كالورق تتطاير مع أول هبة ريح، لا أقول صرصر عاتية، بل اقتصادية تجعل مكاتب المحاماة كأنها أعجاز خاوية من العملاء.

إن واقع قطاع المحاماة بوصف عام فيه ركود في الطلب، مما أدى إلى إرباك بعض مكاتب المحامين والذي دفع جزء ليس بالهين منهم إلى عدم تجديد رخصهم، ومشكلة الركود في الطلب تشاطره ثقافة المجتمع واكتفاء منظمات الأعمال بالممثلين القانونين الذين يلبون احتياجها بأقل تكلفة وبمهنية أقل جودة في المخرجات والأداء.

ومن وجهة نظري أن الخيار الاستراتيجي أمام هيئة المحامين في معالجة ضعف قطاع الخدمات القانونية الذي اتكأ غالب مكاتب المحاماة فيه على خدمة الأفراد أن تسهم الهيئة في إعادة النظر بمقترحات للجهة ذات العلاقة لهندسة نظام المحاماة ليواكب كل المستجدات المستقبلية للقطاع، وتوطين مهنة المحاماة، وهنالك توجه لهذا الخيار كما ذكر لي أحد منسوبي الهيئة بأن العمل جار على هذا الأمر، وأن نظام المحاماة يخضع لدراسة من قبل هيئة الخبراء والمختصين لإعادة النظر في بنائه وتطويره بحسب تعبيره.

ولكن يبقى الهاجس المقلق في المرحلة الراهنة لبعض مكاتب المحاماة خصوصا الوليدة التي لم تتغذ مهنيا ولا جماهيريا لتكسب سمعة وثقة العملاء بأنها باتت ولادتها خداج ومهددة بالإيقاف الموقت أو الموت وعدم العودة إلى الحياة مرة أخرى!

وأعتقد أن الهدف الرئيس والاستراتيجي للمحامين في ظل هذه الظروف البقاء في القطاع مهما كانت الأحوال وليست الربحية، فالمحامي الشاطر الذي لديه دراية في إدارة التحديات والظروف يأخذ ذلك بالحسبان، وأن الربحية لا تكون هدفا استراتيجيا إلا إذا كانت البيئة مهيأة بالفرص كقوة الاقتصاد وثقافة المجتمع التي تحرك الطلب على الخدمة القانونية كالاستشارة أو المرافعة أو التحكيم وغيرها من الخدمات، فتكون فرصة لاستثمارها ولكن يبقى الرهان على ما يمتلكه المحامي من نقاط قوة كالمهنية والسمعة التي تكون مصدر جذب للعملاء، فإن كان خلاف ذلك وعنده نقاط ضعف في المهنية والسمعة فإنه لن يستثمر الفرصة التي تتموج بين المد والجزر، وستفوت عليه دون عائدات ربحية تنعشه عددا من السنين يدير فيها مصروفاته التشغيلية.

فمن كان لديه تصور من بعض المحامين في ظل المرحلة الراهنة العائد الربحي كهدف رئيس، فإنه سوف ييأس ويخرج من قطاع المحاماة يقلب كفيه على ما أنفق، ودخل مهنة المحاماة من الأساس على نحو غير مربح.

والخيار الأمثل في هذه المرحلة تكوين شركات مهنية ودمج المكاتب لتحقيق مكتسبات عدة، من أبرزها تقليل حدة التنافسية في القطاع وضبط قيمة الأتعاب وتحويلها كعرف مهنة في المستقبل، وضمان بقاء اسم المحامي في قطاع المحاماة، والتهيؤ والاستعداد إلى مرحلة التحول الوطني ودخول الاستثمار الأجنبي، فالشركات متعددة الجنسيات أو المستثمر الأجنبي يرغب بشركة نظيرة تلبي احتياجاته وليست مكاتب محاماة صغيرة -إذا جاز التعبير- أيضا أن الشركات المهنية لها قوة التمدد واستقطاب الموارد البشرية من المحامين، بحيث يعملون تحت إشرافها ومسؤوليتها وتوظف قدراتهم ومهاراتهم القانونية لحصد حجم أكبر من الحصة السوقية في قطاع المحاماة، كما أن المرحلة القادمة حبلى بالفرص لقطاع الخدمات القانونية بشكل عام، وذلك من خلال قراءتي للواقع، ولكن حينما يكون المحامي أو مكتب المحامي ضعيفا فإنه بالتأكيد تفوته الفرص كما أشرت سابقا لأن الضعف مهما كان حجمه له تبعات سلبية، وأتمنى أن يكون هنالك تحول فكري نحو إدارة الركود في الطلب على الخدمات القانونية باستراتيجيات لا تقف هندستها على هيئة المحامين السعوديين، بل بتضافر جهود جميع أرباب المهنة حتى تصل مخرجات مهنة المحاماة إلى مستوى عال من تحقيق العدالة بالمجتمع.