محمد أحمد بابا

الإحداث والابتداع أم التجديد والتطوير

الاحد - 10 سبتمبر 2017

Sun - 10 Sep 2017

راجعت نفسي في شروح العلماء والمصنفين في حديث النبي صلى الله عليه وسلم (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) فوجدته من أكثر نصوص هذا الدين القويم حساسية تأصيل ودقة بيان لمن تمعن وتفكر واعتصم بمجموع أصول الشرع ومقاصده ورأس أمره، وراجعت نفسي كذلك في حديث النبي صلى الله عليه وسلم (كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) وكلام الأولين والمتأخرين في معنى ما ورد فيه من اصطلاحات، فوجدت ذلك حديثا من صاحب جوامع كلم، وكلاما من متحدث بوحي السماء صلى الله عليه وسلم، ووقفت على كثير خوض وعظيم إسقاط لواسع أمور ومتفرق أحوال، ثم قلت لنفسي: لقد عرفنا ووقر في صدورنا الحق من الباطل حين ظهر الأول وزهق الثاني، ولقد بان اتجاه مقاصد توحيد رب العالمين حين تركنا الرسول صلى الله عليه وسلم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، ومن ذلك فلعل القوم حين استظهروا هذين الحديثين للاستدلال المطلق على بدعية تصرفات وأفعال آخرين ولو كانت على مثال سابق من دين وأحكام استبق حكمهم التبعية في تسلسل الشرع، ليتمسكوا بالعموم في لفظ (من) و(ما) في الحديث الأول، وبلفظ العموم (كل) في الحديث الثاني، ليتوصلوا إلى أن ما لم يأت من أمور كما هي فعلا وأصلا فهو من محظورات الابتداع والإنشاء، ولذلك عاش كثير منا زمنهم وجزءا من زمن من قبلهم وهم واصمون لكل ما لا يعرفون أو يعلمون بالبدعة والرد اللذين يقودان للملاحظة العقدية في مقياس الدخول أو الخروج من دائرة أهل السنة والجماعة، ولعلنا قبعنا في ذلك زمنا معتمدين على أن ما لدينا هو الأمر، وما لدى آخرين هو الإحداث المردود والبدعة الضلالية في صغائر الأشياء وكبائرها.

ومحك كون الأفعال على ما كان عليه الأمر إبان تكلم الرسول صلى الله عليه وسلم بالحديث هو ما نعرفه من أدلة وأصول مقارنة بما عند غيرنا من أدلة وأصول ولو اختلفت طرق الوصول، ولم يأنف أحدنا ولم يستنكف - في ذلك الزمن - أن ينكر على القاصي والداني بعلم وبغير علم على مجاهيل الأمور بأنها بدعة لمجرد أنه لم يعرف لها أصلا مما وصل له علمه.

وكنت من الذين صالوا وجالوا في هذا المجال دون تريث تدقيق. واليوم أقول: إن نص النبي صلى الله عليه وسلم على الأمر المردود بوصفه الدقيق (ما ليس منه) والضمير عائد للأمر المذكور قبله يضعنا في قاعدة نبوية تنطلق من كون الفعل من الأمر السابق أولا، وحين نصل إلى تحديد دقيق لنوعية (من) هذه، هل هي على التبعيض؟ ليكون الحادث بعضا من القديم، أو هي أي (من) للبيان؟ ليكون المستحدث من جنس القديم، حينذاك نستطيع الحكم بغالب الظن لا القطع.

أما ولم نصل لهذا فأنى لنا الحكم على كثير من الأشياء ببدعية وإنكار وإن صدق لنا الأمر أو سلم في بعضها، وكذلك أقول: حين نصل لتحقيق (البدعة) التي قصدت في الحديث الثاني، والتي وسمت بالضلال مستشهدين بالحق الذي عليه لسان العرب وما نقل من صحيح فهم للأقدمين حينها نستطيع أيضا الإشارة دونما خوف للبدعة والتحذير منها بما لا يدع مجالا لشك شاك ولا ظن ظان أنها ربما لا تكون كذلك، أما وقد قسم بعضهم البدعة لحسنة وسيئة مع أن الحديث جرى مجرى العموم بلفظ (كل) فتلك معاناة أن نلجأ لتخصيص العام، فسندخل علينا انتقادات مستحقة من آخرين.

وصحيح وواجب بأن صيانة الدين متمثلة في حمله بالحق والحفاظ عليه من الدواخل، ولكن ربما كانت هناك من الوسائل لتوضيح الأمر غير ما سلك بنا سابقا.

ومادة الدين التي هي ثمار مقاصد الشريعة والفقه بين تطوير وتجديد هاربة من إحداث وابتداع ليكون البقاء للحق بحفظ ربنا لدينه.

ولكن كيف سيعتذر بعض ممن صرحوا بأن ما قالوه عن أمور في زمن سابق بدعة ولم يستمروا في ذلك؟ بل وتناسوا انتقادها والإنكار على أهلها لما آلت الأمور لغير ما توجهوا له، وكيف سنقول لبعض جهلاء جعلوا البدعة حتى في الأحكام الفقهية العملية المختلف فيها؟ ونحن من أطر لهم ذلك الإطار العام في الاستدلال بعموم الحديث على كل شيء.

@albabamohamad