الفيديو آرت.. تطور فني بصري يحاكي الحداثة

الجمعة - 08 سبتمبر 2017

Fri - 08 Sep 2017

لم ينفصل التعبير الفني التشكيلي عن عصره في كل مرحلة من مراحل تطوره، فقد لامسها وصقل عمق محتواه من خاماتها ومن آلياتها، ولعل المرحلة الحديثة تجاوزت كل حدود التطور في التعامل البصري الجمالي، حيث شكل مساره مع النهضة التقنية، وبالتالي اندمج معها ليخلق منافذ تعبير جمالية، وأساليب فنية ارتكزت على الآليات الرقمية وعوالم الديجيتال، فبرزت الفنون الجديدة تحت مصطلح «ما بعد الحداثة»، وهو التطور الذي واكب التكنولوجيات الرقمية، وأفرز فنون الصورة من الفوتوجرافيا إلى فن الفيديو كما سهل طرق التصوير والمعالجة سواء بالأجهزة الذكية أو الكمبيوتر، حيث إن هذا الفن عرف بدوره تحولات جمالية بصرية فاقترن بمختلف الفنون الإنسانية كمنجز متعدد الوسائط، كما أنه واكب العصر بكل تنوعاته التقنية، وكذلك الفنية والجمالية والبصرية، سواء في المحتوى والطرح أو العرض.

يعود تاريخ ظهور فن الفيديو كفن قائم الذات إلى بداية الستينات من القرن الماضي حيث بدأ كتجربة لامست الفوضى الفكرية الخلاقة التي تداخلت مع الايديولجيات والصدامات المتنوعة التي نبشت القيم الجمالية واكتسحت مجالات الفنون في العالم، وكذلك مرحلة انتشار الصورة والإعلام المرئي وتطورات الإعلام الجماهيري من خلال جهاز التلفزيون الذي تناقل الأخبار والأحداث وقام بعملية التوثيق الكامل بالفيديو والكاميرا كما تطوّرت السينما وانتشرت هي الأخرى خاصة مع النهضة التقنية التي خلقتها المنافسة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، وهو ما أوجد الآلية والأرضية المحفزة لظهور تيار فني جديد تبلور بالتمرد على الفن الكلاسيكي، وخاصة أن الحداثيين مهدوا الطريق للتمرد بالفكرة في الفن مع سلفادور دالي وفكرة الفيديو التعبيري الذي عبر عن الموقف الرافض للحروب غير أنه لم يمتلك قيم الفيديو آرت التي تبلورت في الستينات بمعاصرة الأحداث والتمرد بالأفكار ليظهر الفيديو كفن سنة 1963 مع الفنان الكوري نام جون بايك الذي صاغ الصور وحركها بتفاعلات وسائطية مع الموسيقى حين جعلته الصدفة يكتشف تأثير المغناطيس على الصورة التي تظهر مشوشة على الشاشات فاعتمدها لخدمة فكرته الأولى التي وثقها حيث جمع عشرات الشاشات وربطها مع بيانو لتبدو الموسيقى عشوائية مع الشاشات ذات الصور المشوشة وقد عبر من خلالها عن الفوضى والصدامات الفكرية وحركات التمرد فخلق المنفذ لفن جديد وكان رائد انتشار فن الفيديو في أوروبا وأمريكا لتتوالى التجارب وتنتشر في مختلف أنحاء العالم.

فن الفيديو وأساليبه المتعددة

لفن الفيديو دلالاته المكتظة بالعلامات وبالرؤى التي تتجمع في الفكرة فهو ليس فيلم سينما ولا شريط تلفزيون، هو فكرة مختزلة من التعبيرات التي قد تكوّن اللوحة، ولكنها تتجاوزها نحو المضمون النفسي الداخلي وتتوفق مع الآليات وتقنيات التحديث الرقمية المونتاج والتركيب والتحريك، فالفن بعد صياغة المادة يتكئ على المؤثرات بدرجة أولى في توافقها فيما بينها أولا في المادة المصورة التي تتناسب مع الفكرة المطروحة التي تعكس الوجود الواقع الخيال ودمجها بعد أن تتم معالجتها سواء بتركيب الصوت والموسيقى حسب الشكل والنمط العام في الإضاءة والألوان والتصميم والإضافات الرقمية «صوت وموسيقى».

كل هذه التقنيات ومؤثراتها تخلق التنوع في أنماط الطرح الخاصة بفن الفيديو فهو أيضا يخضع لمدارس الفن التشكيلي الكلاسيكية والمعاصرة التي يطرحها بالصورة وفق الأساليب الفنية المعبرة عن التجريد السريالية الواقعية، المفاهيمية، التركيبية، والتفكيكية بالارتكاز على العملية الإنشائية والأداء والوسائط المتعددة، وكلها تندمج مع الفكرة والمحتوى وترتب في العرض والاستعراض النهائي والموقت بدقة مختصرة فيخرج المنجز حسب منطلقاته التي يوجهها الفنان فتخضع الصورة لتقنية السينما أو الأنيميشن «الصورة المتحركة» أوالكرتون بتقنية البطء والإسراع والتوقيف «الستوب موشن».