هكذا يبدو الحج من الداخل

الأربعاء - 30 أغسطس 2017

Wed - 30 Aug 2017

u062du0627u062cu0627u0646 u064au062fu0641u0639u0627u0646 u0639u0631u0628u0629 u062du0627u062cu0629 u0645u0633u0646u0629 u0642u062fu0645u062a u0644u0623u062fu0627u0621 u0627u0644u0641u0631u064au0636u0629 (u064au0627u0633u0631 u0628u062eu0634)
حاجان يدفعان عربة حاجة مسنة قدمت لأداء الفريضة (ياسر بخش)
كطوفان يمتطي الوقت، العالم يغوص ويطفو لكن لا أحد يغرق، جموع قدمت من كل مكان لتستقر كلها فوق أرض مكة، لا يمكن التنبؤ بالملامح التي ستمر بنا، وكم عدد الاتجاهات التي سيسلكها العابرون من هنا، من كل مكان يأتون وإلى مكان واحد يتجهون.

الغاية الوحيدة التي جلبت كل هذه الحيوية لنحو مليوني حاج هي أداء مناسك الحج على أكمل وجه، راجين أن يعودوا لبلادهم كما ولدتهم أمهاتهم، أنقياء من كل ذنب وخطيئة.

الروحانية هائلة وعميقة تحلق كما لو أنها بأجنحة تطوق المكان والوجوه والشوارع والأزقة وسماء مكة بأكملها طوال أيام الحج، عالمان فوق هذه الأرض، عالم داخل مكة وعالم خارجها، والعالم الموجود في الداخل اتسع على مساحة ممتدة وشاسعة على كامل صفحة مكة، مساحة مطمئنة ورحبة على الدوام.

يبدأ الحج في نهار يوم التروية، اليوم الذي تبدو فيه الأرواح عطشى للأبد، وزمزم تروي ولا تنضب، بينما في فجر اليوم التالي وهو يوم عرفة تبدأ الخطوات بالتلاحق مكبلين بالوقت، يوم عامر بالإجابة تتزاحم الأرواح على باب الله.

جموع تبدو من الأعلى كقطعة بيضاء منسدلة بترف فوق مشعر عرفة، وعلى قمة الجبل منهم من تسلق بروحه وجسده ليستشعر المشهد كاملا من هناك، لا فرق بين أعجمي وعربي حتى وإن اصطدم الكلام ببعضه واختلفت لغاتهم وكلماتهم المفهومة وغير المفهومة ولكن تتفق حاجتهم ورغبتهم.

ومع اقتراب موعد غروب الشمس تستعيد الأجساد تماسكها وثباتها، تبدأ بحزم ما كان لها من أمتعة استعدادا لوقت «النفرة»، وتدريجيا يعلو صوت الدعاء من كل جانب إنذارا بوقت رحيل يوم عرفة، وبعدها يتحرك الحجاج باتجاه مزدلفة مسافة 7 كلم منهم من مشى على قدميه ومنهم من امتطى دابته، والمسافة بين مزدلفة إلى منى تبلغ 3 كلم متسعة.

في فجر يوم عيد النحر تبهج الملامح وتشع نورا، ترى الحجاج آخذين بالزهو والانتصار فقد هزموا أيامهم وأعمارهم كلها فوق هذه الأرض.

لن يغمرك أبدا أي شعور بالغرابة، فالكل يركض ويسابق بين ساحات المشاعر، وكلما هزلت الأجساد خرت دفعة واحدة للمبيت في منى أيام التشريق، وهنا لن تتوقف عن التأمل والانبهار، وما إن تغمض عينيك لتغفو حتى تتدافع المشاهد في الحلم كما لو أنك في الحقيقة بقدميك تركض والطريق لا ينتهي.

وبعد مرور 144 ساعة انقضت سريعة وباردة في أيام معدودات يشعر الجميع بانتماء غريب لكل قطعة في مكة، ولا يمكن لهذا الشعور أن يبدو عاديا أو عابرا، والقلب ينفطر بعد الرحيل ليعود كل جسد إلى وطنه، بينما الروح لا تزال في مكة.