مرزوق تنباك

غاية الحج ورسالته

الثلاثاء - 29 أغسطس 2017

Tue - 29 Aug 2017

منذ أن أذن نبي الله إبراهيم للناس بالحج، واستجاب الناس لندائه وأتوا رجالا وعلى كل ضامر، والحج مقصد متعدد الأغراض جامع للناس من كل فج عميق كما وصف القرآن الكريم ذلك، وزاد من أهمية الحج وفضائله اجتماع المسلمين من مشارق الأرض ومن مغاربها حتى أصبح الحج اجتماعا ليس لشعيرة فحسب، ولكنه مظهر من مظاهر الوحدة البشرية، حين توفرت للناس أسباب الوصول السهلة والمريحة، وخف عن القاصدين لبيت الله الحرام كثير من أعباء السفر ووعثائه، وما كان يعانيه الحجاج والمعتمرون من مشقة بالغة في قديم الزمان عندما كانت الوسائل قليلة والطرقات صعبة والتكاليف باهظة، ومع كل تلك المصاعب كان المسلمون يأتون من أطراف الأرض، وبعضهم تستغرق رحلته إلى مكة سنة كاملة . تغير الحال وتغيرت وسائل المواصلات وتعددت، واختصرت المسافات حتى أصبح في استطاعة المرء ألا تستغرق حجته أكثر من أيام النسك مما جعل الحج لم يعد بتلك الصعوبة التي كان يعانيها المسلمون الأولون.

هذا التغير في الوسائل والتطور فيها أوجب الحج على كثير من المسلمين، واستطاعوا إليه سبيلا، وهو الشرط الملزم للمسلمين لأداء فريضة الحج (لمن استطاع إليه سبيلا) ونتيجة ذلك مضاعفة الأعداد التي تستطيع الحج وتريده وهي قادرة عليه، وهذا ما حصل في السنوات الأخيرة حيث تضاعفت أعداد الحجاج أضعافا كثيرة، وجاؤوا كما ذكر بالقرآن من كل فج عميق، حتى لا تكاد تتسع لهم مشاعر الحج ومرابع مكة مع ما بذل من إعمار للمشاعر وتوسعات هائلة لأماكن العبادة وتكاليف باهظة ليست مادية فقط، وإن كان الجانب المادي مهما في تضاعف النفقات، وعظمة ما يذهب من المال العام لخدمة الحجاج وخدمة مناسكهم، وليس ذلك فحسب، بل أصبح أمر الحج وراحة الحجاج هما الشغل الذي لا يتوقف طوال السنة، فما يكاد ينقضي حج حتى تبدأ الاستعدادات للحج القادم، وهو عمل مرهق على كل المستويات، ولكنه واجب مقدس لمن شرفه الله بخدمة الأرض المقدسة من كل أهلها من قياداتها وأبنائها وأهلها جميعا ومن يقيم على أرضها.

وقد مكن الله لنا ومدنا بفضل من عنده، فسخرت ثروة الوطن وإمكاناته لتكون أيام الحج متعة للحجاج، ولم يعد هناك ما يكلف به القادمون للحج من التكاليف المادية، فقد تبدل الحال من أن الحج ومواسمه والقادمين إليه مصدر اقتصادي للحجاز، ينظرون إليه على أنه مورد لإنعاش الاقتصاد المحلي، إلى أن يكون الحجاج كما ذكر القرآن يأتون ليشهدوا منافع لهم في الرحلة والتجارة، والصلة والتواصل العظيم الذي لا يتوفر مثله في كل الأوقات، تتحقق المنافع كلها، منها ما هو تعبدي خالص لوجه الله، ومنها ما هو إنساني يحث عليه الإسلام من اجتماع الكلمة ووحدة الأمة والتعارف بين المسلمين، ودراسة أحوالهم، ولقاء بعضهم بعضا في مكان واحد وزمان محدد، ومن المنافع التي تجمع المسلمين في مكة والمدينة إدراك أهمية السلام والاطمئنان ومحبة الخير والبعد عن نوازع الاختلاف والتشرذم وصفو المحبة، وأن يكون الجميع إخوانا لا يفرق بينهم لون ولا جنس ولا لغة تصديقا للأثر «الناس سواسية كأسنان المشط» لنكن كما أراد لنا ديننا أهل رحمة وأخوة وتعاون دعاة سلام بين الأمم، ذلك ما يريد الله منا، وذلك ما نريده للبشرية جمعاء.

Mtenback@